الاتصالات بين الشريف حسين والانكليز (1914ـ 1916).. قيام بريطانيا بالدفاع عن السواحل الحجازية ضد أي هجوم تركي والاعتراف بالمصالح البريطانية في المنطقة وتسهيل تجارتها

حدثت الاتصالات الأولى بين الهاشميين والانكليز في شباط 1914 في القاهرة، بين الامير عبد الله ـ الذي كان في طريقه للاستانة ـ واللورد كتشنر المعتمد السامي البريطاني في القاهرة، وكان اهم ما دار في هذا الاجتماع طلب عبد الله مساعدة بريطانيا لوالده حالة اصطدامه مع الدولة العثمانية، الا ان كتشنر اعتذر لطلبه، بحجة الصداقة التقليدية التي تربط حكومته بالدولة العثمانية ورغبتها في تسوية قضاياها مع الاخيرة والمانيا أيضا.

ومع ما ابداه اللورد كتشنر من الحياد فإنه لم يتجاهل الأمر وابلغ وزير خارجيته ـ اللورد كراي في اليوم التالي (6 شباط) باجتماعه مع عبد الله والوضع القلق في الحجاز، واستفسار الامير عن مساعدة بريطانيا لوالده حالة اقدام الدولة على خلعه، في الوقت الذي ظل فيه الامير يحاول كسب العطف البريطاني، وسعى لإقناع (رونالد ستورس) (Storrs) ـ السكرتير الشرقي اللورد كتشنر ـ بمطاليبه لدى اجتماعه به، حيث افاض عبد الله بالحديث عن خطورة الوضع في الحجاز وحتمية مواجهة الدولة واستعداد والده لذلك . واقترح نقطتين يمكن التعاون في ضوئهما بين الجانبين:

- أولهما: قيام بريطانيا بالدفاع عن السواحل الحجازية ضد اي هجوم تركي حال اندلاع القتال مع والده، وان يقوموا بفتح طريق بورسودان للاتصالات والمخابرات.

- ثانيهما: يعترف الحجاز مقابل ذلك بالمصالح البريطانية في المنطقة وتسهيل تجارتها وترجيحها على باقي الدول.

لكن ستورس ورغم قناعته بفكرة التعاون، لم يكن مخولا بالبت في مثل هذه القضايا، وأبدى تحرجه فيما اذا طلبت الحكومة العثمانية من حكومته باعادة النظام للحجاز، واقترح استشارة سيده كتشنر بالامر، كما اعتذر ستورس لطلب عبد الله في تزويد والده ببعض الاسلحة لاستخدامها ضد اي هجوم قد يشنه الاتحاديون ضده، بحجة الصداقة القائمة بين حكومته والدولة العثمانية.

ورغم التمهل الذي ابدته الحكومة البريطانية حيال هذا العرض، فإنها كانت تحتفظ بنوع من التعاطف المشوب بالحذر سيرا مع مقتضيات مصالحها، فمع اعتذار المسؤولين لطلبات عبد الله لم يبخلوا ببعض التأكيدات البسيطة، كمعارضتها للحركات التي قد تسببها الدولة ضد السلام في بلاد الحجاز، رغم امتناعها التدخل في شؤونه.

وقد جابه عبد الله نفس الموقف المتردد عند عودته من الآستانة، فاعتذر كتشنر عن لقائه لان مصلحة بلاده تقتصر على راحة الحجاج الهنود وسلامتهم، رغم موافقته على اجتماع الامير بستورس الذي لم يبد هو الآخر موقفا مشجعا.

ولعل في الشكوك التي اخذت تثيرها هذه اللقاءات في الآستانة ونصائح المسؤولين هناك بتحاشيها، فضلا عن صداها السلبي بين الاوساط والصحف السياسية التركية بعد شيوع امرها، ما قد يفسر حذر المسؤولين في القاهرة.

فكانت تلك حدود المفاوضات بين عبد الله والجانب البريطاني حينما نشبت نيران الحرب. 

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال