لقد ورث العثمانيون السيادة على الحجاز من المماليك وذلك منذ استئصال السلطان سليم قوى هؤلاء العسكرية اثر معركة (الريدانية) سنة 1517م وقضائه على (طومان باي) آخر سلاطين الدولة المملوكية.
وقد اصبح سلاطين آل عثمان حماة الحرمين منذ ان قدم (بركات الثاني) شريف مكة وحاكم الحجاز ولاءه للسلطان سليم الاول.
وقد استمرت السيادة العثمانية منذ التاريخ المتقدم حتى يوم 9 شعبان 1334 ـ 10 حزيران 1916، حينما اعلن الحسين بن علي شريف مكة ثورته وانفصاله عن الدولة العثمانية.
يعتبر الحسين بن علي من الشخصيات الخطيرة في تاريخ العرب الحديث من النواحي الدينية والقومية والسياسية.
وقد أصبح منذ 1916 وحتى 1925 شخصية دولية أيضا بحكم ملكيته على الحجاز، ولهذا لا بد ان نلم بشيء عن نشأته الأولى بسياسته حينما اصبح شريفا على مكة وحتى اعلان ثورته.
ولد الشريف حسين بن علي في الاستانة سنة 1853م اثناء اقامة والده وجده محمد بن عون هناك، وانتقل منها الى مكة مع اسرته وهو في الثانية من عمره، وذلك عند اسناد منصب الشرافة الى جده سنة 1855 ثم اضطرته وفاة والده في 1870هـ للعيش تحت رعاية عمه، الشريف عبد الله بن محمد بن عون الذي تولى الشرافة منذ سنة 1858، خلفا لوالده الذي قضى نحبه في نفس العام.
ودأبت اسرته على تربيته وفق الطرق المألوفة لدى العرب من تعليم للقراءة والكتابة والتفقه في الدين والفروسية والصيد.
ثم زوجه عمه من ابنته (عبدية خانم) التي انجبت له اولاده الثلاثة علي، عبد الله، فيصل عاصر الحسين اوضاع الحجاز الداخلية ذات العلاقة بأسرته، عند انتقال الشرافة منها الى خصومهم من الفرع الهاشمي الآخر المتمثل بآل زيد، اثر مقتل عمه الشريف حسين بن محمد، فكان من ضمن الوفد الذي مثل آل عون في الآستانة سنة 1881 للتفاوض مع الحكومة العثمانية بما يمكنهم استرجاع الفترة، الا انها قامت ـ وبعد عام واحد ـ بخلع الشريف عبد المطلب بن غالب عميد آل زيد وشريف مكة عن طريق القوة سنة 1882، لاستبداده في الامور وامعانه في القسوة والاهمال، ونقلت الشرافة الى آل عون في شخص الشريف (عون الرفيق 1882ـ 1905)، ومع عدم استجابة الحكومة لرغبتهم هذه الفترة، الا انها قامت ـ وبعد عام واحد ـ بخلع الشريف عبد المطلب بن غالب عميد آل زيد وشريف مكة عن طريق القوة سنة 1882، لاستبداده في الامور وامعانه في القسوة والاهمال، ونقلت الشرافة الى آل عون في شخص الشريف (عون الرفيق 1882 ـ 1905) عم الشريف حسين بن علي.
بيد ان النزاع التقليدي على الشرافة لم يقف عند هذا الحد، وانما تعداه الى نزاع بين آل عون انفسهم، فضلا عن نزاعهم مع آل زيد فقد صعب على الشريف حسين كما يبدو ان تستقر الشرافة لعمه الرفيق، واخذت علاقتهما بالتوتر يوما فآخر، زاده الدعايات والتهم التي اخذ يبثها الحسين ضد عمه في وقت وصلت فيه الامارة من الضعف والفوضى حدا اثار استياء الناس وتذمرهم بسبب تجاهل (الرفيق) امر الولاية وادارتها فلم ترق الأخير تصرفات بن اخيه، وشكى امره للسلطان عبد الحميد الثاني في حوالي 1893، وابدى له مخاوف من تدخلات الحسين في شؤون الولاية، وما يلحقه ذلك من عدم الاستقرار هادفا ازاحته عن الحجاز.
وقد تم له ذلك، حينما دعي الحسين من قبل السلطان للاقامة الجبرية بحجة قطعه لالسنة السوء، والاستفادة من خبرته، فأمضى في الآستانة خمس عشرة سنة منذ حياته حتى ساعة تنصيبه اميرا على مكة سنة 1908.
عاش الحسين ـ في قصره الكائن على ضفاف البسفور ـ مقدرا منعما فمنحه السلطان رتبة وزير وعينه عضوا في مجلس الشورى، التي استمر فيها لحين تركه الآستانة الا ان ذلك لم يكن يبعد عن ذهنه طبيعة اقامته، ومن حيث كونها (اقامة جبر و إكراه) رغم انها ـ وبدون شك ـ قد اكسبته الخبرة وسعة النظر في تقدير الامور، فضلا عن تعرفه عن كثب بأوضاع الدولة وسياستها.
وعلى كل حال فإن اوضاع الحجاز شاء لها ان تستجيب لمطامح الحسين، اذ توفي الشريف عون الرفيق سنة 1905، ولم يمض الشريف (علي بن عبد الله بن محمد بن عبد المعين بن عون) الذي تولى الامارة من بعده، أكثر من ثلاثة اعوام 1905ـ تشرين الاول 1908 لاستقالته ولجوئه لمصر خشية من بطش الاتحاديين الذين جاؤوا للحكم في العام الأخير.
كما ان الشريف عبد الاله الذي اعقبه، توفي وهو يتأهب للسفر الى الحجاز فخلا الجو لكي يطالب الحسين بحقوقه في الإمارة.
التسميات
استقلال الحجاز