وجد الانكليز ـ وبعد تعاظم النفوذ الالماني في الآستانة وتزايد يقينهم بانزلاقها في الحرب جانب المانيا ـ ضرورة فتح باب المفاوضات مع مكة واستغلال التوتر القائم بينها وبين الدولة العثمانية وتوجيهه لصالحهم، فأصدر كتشنر ـ الذي عين وزيرا للحربية اثر اندلاع الحرب ـ أوامره في الاستفسار عن موقف الحسين عند دخول الدولة العثمانية الحرب جانب المانيا وتمت هذه الاتصالات في تشرين الاول 1914، اظهر فيها الشريف على لسان نجله عبد الله ـ رغم اعتذاره من القيام بعمل مفاجئ قد يثير المسلمين ضده ـ اظهر رغبته في التعاون مع بريطانيا شريطة حمايتها مصالح العائلة مع تعهد خطي بذلك فلم تمانع بريطانيا، وابلغت القاهرة في 31 تشرين الاول موافقتها على هذا التعهد ودعمها للعرب ضد اي اعتداء خارجي، وعدم التدخل في شؤون الحجاز الداخلية، واستعدادها اخيراً للوقوف جانب الحسين عند مبايعته بالخلافة.
ولم يمتنع (عبد الله) بدوره ـ نيابة عن والده ـ رداً على البرقية البريطانية الاخيرة ـ عن التأكيد على التمسك التام بالمقترحات البريطانية والوقوف بوجه من يحاول الضرر بمصالحها، ووعد بترقب الفرصة المناسبة لمجاهرة الدولة بالعداء الصريح، وانما يأتي تأخير هذه الخطوات بسبب المركز الديني للحجاز وحراجة موقف والده امام المسلمين حيال عمل لم تسبقه مقدمات مشروعة على الاقل.
لقد كان المسؤولون الانكليز في كل من القاهرة والخرطوم على عجلة من امرهم، واعتقدوا باستغلال الفرصة التي أوشكت ان تفلت من ايديهم، وتهدد بانحياز العرب للجانب العثماني فحاولوا توسيع جانب الاتصالات مع الشريف، وتهيئة الوسائل الامنية لبدئها ومن هنا خرجت مشاورات كل من ونجت (Wingate) والكولونيل كلايتون (Clayton) برفع الحصار البحري عن الحجاز وفتح باب التجارة، بحجة توفير راحة الحجاج وتموينهم، فيما واصل (ونجت) سعيه للاتصال بالشريف واستفسر منه في اوائل حزيران عن رغبة بريطانيا في ارسال بعض المبالغ المستحقة لشؤون الحرمين من مصر والهند وفيما اذا تتوفر السبل التي تضمن ايصالها، انتقل بعد مغرياته، الى غرضه الرئيسي المتمثل في استمرار الاتصالات وضرورتها لوجود بعض القضايا التي تخص الطرفين.
وسيرا مع ما ارتآه في الإسراع الى جر الشريف جانبهم، صعد المسؤولون الانكليز استفساراتهم له في اتخاذ موقف عاجل، وترى السيد علي الميرغني واسطة الاتصال بين (ونجت) والحسين ـ يجهد في هذا السبيل ويطرح للاخير كافة التسهيلات التي تعينه في اعلان حركته، لكن الشريف ظل مترددا في موقفه بحجة عدم تشاوره في الأمر واقتصر على الاجوبة الودية.
إلا ان الميرغني ـ بإيعاز من ونجت ـ ظل على مساعيه وطالب الحسين بالافصاح عن احتياجاته من الذخيرة والاسلحة، حتى اندفع الشريف بالتحرك، وبعث في نيسان 1915 بوفد من رجاله لدراسة الامكانيات المتوفرة في السودان.
وتنتهي عند هذا الحد الخطوة الثانية من اتصالات الشريف والانكليز لتتوج في الاتصالات الختامية التي بدأت في تموز 1915 بين السير (هنري مكماهون) (H. Macmahon) المندوب السامي البريطاني في القاهرة والشريف حسين، عندما تم الاتفاق النهائي لمباشرة العمل المشترك ضد الدولة العثمانية.
التسميات
استقلال الحجاز