الجزمُ بالطَّلَب.. جزم المضارع جواباً بعد الطلبِ

تعريف الجزم بالطلب:

إذا وقعَ المضارعُ جواباً بعد الطلبِ يُجزَمُ: كأن يقع بعد أمر أو نهيٍ، أو استفهامٍ أو عَرض، أو تحضيضٍ، أو تَمَنٍّ أو ترجٍّ، نحو: "تَعلَّم تَفزْ" لا تَكسلْ تَسُدْ. هَلْ تَفعلُ خيراً، تُؤْجَرْ. أَلا تزورُنا تكنْ مسروراً. هلا تجتهدُ تنلْ خيراً، ليتَني اجتهدتُ أَكنْ مسروراً. هلاّ تجتهدُ تنلْ خيراً. ليتني اجتهدتُ أكن مسروراً. لعلكَ تُطيعُ اله تَفُزْ بالسعادة".

جزم الفعل بعد الطلب:

وجزمُ الفعلِ بعد الطَّلبِ، إنما هو بإن المحذوفةِ معَ فعلِ الشرط. فتقدير قولك: جُدْ تَسُدْ: "جُدْ، فإن تَجُدْ تَسُدْ". وتقديرُ قولك: هل تفعل خيراً؟ تُؤْجَرْ: "هل تفعلُ خيراً؟ فإن تفعل خيراً تؤْجرْ" وقِس على ذلك. وقيل: إن الجزم بالطلبِ نفسِه لتضمنهِ معنى الشرطِ.

شروط الطلب:

واعلم أنَّ الطلب لا يُشترط فيه أن يكون بصيغة الأمر، أو النهي، أو الاستفهام، أو غيرها من صيغ الطلب. بل يُجزم الفعل بعد الكلام الخبريّ، إن كان طلباً في المعنى، كقولك: "تُطيع أَبَويَكَ، تلقَ خيراً"، أَي: أَطعهما تلقَ خيراً. ومنه قولهم: "إتَّقى اللهَ امرؤٌ فعلَ خيراً، يُثبْ عليه". أي: لِتَّقِ اللهَ، وليفعلْ خيراً يُثَبْ عليه. ومن ذلك قوله تعالى: {هل أدُلُّكم على تجارة تُنجيكم من عذاب أَليم؟ تُؤمنو بالله ورسولهِ، وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون، يَغفرْ لكم ذُنوبكم}، أَي: آمنوا وجاهدوا يَغْفر لكم ذنوبكم.

والجزمُ ليس لأنه جواب الاستفهام، في صدر الآية، لأن غفران الذنوب ليس مرتبطاً بالدلالة على التجارة الرابحة، لأنه قد تكون الدلالة على الخير، ولا يكون أثرها من مباشرة فعل الخير. وإنما الجزم لوقوع الفعل جواباً لقوله: {تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله}، لأنهما بمعنى: آمنوا وجاهدوا.
فالمضارعُ، في كل ما تقدَّم، مجزومٌ لأنه جوابُ طلبٍ في المعنى، وإن كان خبراً في اللفظ.

فــوائــد:

1- لا يجبُ أن يكونَ الأمرُ بلفظِ الفعلِ ليَصحَّ الجزمُ بعدَهُ:

بل يجوزُ أن يكون أيضاً اسمَ فعل أَمرٍ، نحو: "صَهْ عن القبيح تُؤْلفْ".
وجملةً خبريَّةً يُراد بها الطَّلَب (كما تقدَّم)، نحو: (يَرزُقُنيَ اللهُ مالاً انفعْ به الأمة) أَي: لِيرزقني،: "حسْبُك الحديثُ يَنَمِ الناسُ".

2- يُشترَطُ لصحّة الجزم بعد النهي أن يصحَّ دخولُ (إن) الشرطية عليه:

نحو: {لا تَدنُ من الشر تَسْلَمْ}، إذ يصحُّ أَن تقول: "إلا تدنُ من الشر تسلم". فإن لم يَصلحُ دخولُ إن عليه، وجب رفعُ الفعل بعدَهُ، نحو: "لا تَدنُ من الشرّ تهلكُ"، برفع تهلك، إذ لا يصحُّ أن نقولَ: "إلاّ تدن من الشر تَهلك"، لفساد المعنى المقصود: وأَجاز ذلك الكسائيُّ.

3- لا يُجزَمُ الفعلُ بعد الطلب إلا إذا قُصدَ الجزاءُ:

بأن يُقصدَ بيانُ أن الفعلَ مسبّبٌ عما قبلهُ، كما أن جزاءَ الشرط مُسببٌ عن الشرط. فإن لم يُقصد ذلك، وجبَ الرفعُ إذ ليس هناك شرطٌ مُقدَّر، ومنه قوله تعالى: {ولا تَمْنُنْ تَسْتَكثِرْ}، وقولهُ: "فَهَبْ لي من لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُني} وقوله: {فاضربْ لهم طريقاً في البحر يَبَساً، لا تخافُ دَرَكاً ولا تخشى} وقولهُ: {خُذْ من أموالهم صَدَةً تُطَهِّرُهم}.

4- إذا سقطت فاءُ السببيّة التي يُنْصَبُ المضارعُ بعده:

وكانت مسبوقةً بما يَدُلُّ على الطَّلب، يُجزَمُ المضارعُ إن قُصِدَ بقاءُ ارتباطه بما قبلهُ ارتباطَ المُسبَّب، كما مَرَّ. فإن اسقطتَ الفاءَ من قولك: "جئني فأكرمَك" جزمتَ ما بعدها، فقلتَ: "جئني أُكرمْكَ".
وقد أوضحنا هذا وما قبله، من قبلُ، في الكلام على: "فاء السببية".
أحدث أقدم

نموذج الاتصال