يُمنعُ العلَمُ من الصرف في سبعة مواضعَ:
(1) أن يكون عَلماً مؤنثاً. سواءٌ أكان مؤنثاً بالتاءِ: كفاطمةَ وعزّةَ وطلحةَ وحمزةَ، أم مؤنثاً معنويًّا: كسُعادَ وزينبَ وسَقَرَ ولَظى. إلا ما كان عربياً ثلاثياً ساكن الوسطِ، كدَعْد وهند وجُمّل، فيجوز منعهُ وصرفهُ والأولى صرفه. إلا أن يكون منقولاً عن مُذكر، كأن تُسميَ امرأة بقَيّس أو سعد، فإنك تمنعه من الصرف وجوباً، وإن كان ساكن الوسط. فإن كان الثلاثيُّ الساكنُ الوسطِ أعجمياً، وجب منعُه: كماهَ وجُورَ وحِمْصَ وبَلْخَ ونِيسَ ورُوزَ.
وإذا سمّيتَ مذكراً بنحو: "سعاد وزينب وعَناق وعقرب وعنكبوت" من الأسماء المؤنثة وضعاً، الزائدة على ثلاثة أحرف، منعته من الصرف، العلمية والتأنيث الأصلي. فإن كان على ثلاثة أحرف، كدعدٍ وعُنُقٍ، صرفته. وإن كان التأنيث عارضاً، كدلالَ وربابَ وودادَ، أعلاماً لأنثى، منعتها من الصرف. فإن سميتَ بها مذكراً صرفتها، لأنها في الأصل مذكَّرات. فالدلال والوداد: مصدران. والرباب: السحاب الأبيض، وبه سُميت المرأة. أما إن سميتَ مذكراً بصفة من صفات المؤنث الخالية من التاءِ، فانك تصرفه، كأن تسميَ رجلا: مُرضعاً أو مُتْئماً. والكوفيون يمنعونه من الصرف.
وأسماءُ القبائل مؤنثة. ولك فيها وجهانِ: منعُها من الصرف، باعتبار أنها أعلام لمؤنثات، نحو: "رأيتُ تميمَ"، تعني القبيلةَ، ولك صرفها، باعتبار أن هناك مضافاً محذوفاً نحو: "رأيت تَميماً"، تعني بني تميم. فحذفتَ المضافَ وأقمتَ المضافَ إليه مُقامَهُ فإن قلتَ: "جاءَ بنو تميم" صرفتَ تميماً قولاً واحداً. لأنك تعني بتميم أبا القبيلةِ لا القبيلةَ نفسها.
وما سُميَ به مما يُجمعُ بالألفِ والتاءِ: كعَرَفاتٍ وأذرعاتٍ جاز منعه من الصرف، وجاز صرفُه وإعرابُه كأصله، وهو الأفصحُ.
وما كان على وزن "فَعالِ" علَماً لمؤنثٍ، كحذامِ وقَطامِ ورَقاش ونَوار فأهلُ الحجازِ يبنونه على الكسر، في جميع أحواله فيقولون: قالت حَذامِ، وسمعتُ حَذامِ، ووعَيتُ قولَ حَذامِ". قال الشاعر:
*إذا قالتْ حَذامِ فَصدِّقوها * فإنَّ القوْلَ ما قالتْ حَذامِ*
وبنو تَميم يمنعونه من الصَّرفِ للعميّة والتأنيث، فيقولون: "قالت حذامُ"، وسمعتُ حذامَ، ووَعَيتُ قول حذامَ".
(ومن العماء من يمنعه للعلمية والعدل، باعتبار عدل هذه الأسماء عن حاذمة وفاطمة وراقشة ونائرة. ومنعها للعلمية والتأنيث أولى).
(2) أن يكونَ عَلماً أعجمياً زائداً على ثلاثة أحرف: كإبراهيم وأنطونَ وإنما يُمنعُ إذا كانت عَلميَّته في لغته. فإن كان في لغته اسمَ جنسٍ، كلجامٍ وفِرَندٍ ونحوهما مما يُستعمَل في لغته علماً، يصرَفْ إن سميتَ به.
وما كان منه على ثلاثةِ أحرفٍ صُرفَ، سواءٌ أكان مُحرّكَ الوسَط، نحو لَمَكٍ، أم ساكنَهُ، كنُوحٍ وجُولٍ وجاكٍ.
(وقيل: ما كان محرك الوسط يمنع، وما كان ساكنه يصرف، وقيل: ما كان ساكنه يصرف ويمنع. وليس بشيء: والصرف في كل ذلك هو ما اعتمده المحققون من النحاة).
(3) أن يكون عَلماً موازناً للفعل. ولا فرقَ بين أن يكون منقولاً عن فعل، كيَشكُرَ ويزيدَ وشمَّرَ. أو عن اسمٍ على وزنه، كدُئِل وإستبرَقَ واسعدَ، مُسمَّى بها.
والمعتبرُ في المنع إنما هو الوزنُ المختصُّ بالفعلِ، أو الغالبُ فيه. أمّا الوزنُ الغالبُ في الاسم، الكثيرُ فيه، فلا يُعتبرُ، وإن شاركه فيه الفعلُ. وذلك: كأن يكون على وزن "فَعَل": كحَسَنٍ ورجبٍ. أو "فَعِل": ككَتِفٍ وخَصِرٍ. أو "فَعُل": كعَضُدٍ. أو "فاعِل" كصالحٍ. أو "فَعلَلَ": كجعفرٍ: فإن سميتَ بما كان على هذه الأوزان انصرف.
والمراد بالوزن المختص بالفعل: أن يكون لا نظير له في الأسماء العربية وإن وجد فهو نادر لا يعبأ به. فمثل "دُئل" هو على صيغة الماضي المجهول. لكنه نادر في الأسماء. فلم تمنع ندرته أن يكون هذا الوزن من خصائص الفعل: ويندرج فيه ما جاء على صيغة الماضي الثلاثي المجهول، الذي لم يعل ولم يدغم: كدئل وكأن تسمي رجلا "كتب"، وكل صيغ الأفعال المزيد فيها، معلومة ومجهولة. إلا ما جاء على وزن الأمر من صيغة "فاعل يفاعل": كصالح علما. فانه على وزن "صالح" فعل أمر. فما جاء من الأعلام على وزن مختص بالفعل، منعته من الصرف.
والمراد بالوزن الذي يغلب في الفعل: أن يكون في الأفعال أكثر منه في الأسماء. فغلبته في الفعل جعلته أحق به من الاسم وأولى.
ويندرج فيه ما جاء على صيغة الأمر من الثلاثي المجرد. كأن تسمي رجلا "إثمد" أو "اصبع" أو "أبلم". فإنها موازنة لقولك: "إجلس وافتح وانصر" وما كان على صيغة المضارع المعلوم من الثلاثي المجرد، مما أوله حرف زائد من أحرف المضارعة مثل: "أحمد ويشكر وتغلب" أعلاماً فما جاء من الأعلام على وزن يغلب في الفعل، منعته من الصرف أيضاً.
فائدة:
(1) إن ما جاء على وزن الفعل، مما سميت به ثلاثة أَنواع: نوع منقول عن اسم: كدُئل واستبرق.
ونوع منقول عن صفة: كأحمر وأَزرق. ونوع منقول عن فعل: كيشكر ويزيد. وكلها يشترط في منعها من الصرف أَن تكون على وزن يختص بالفعل أَو يغلب فيه، كما تقدم.
ومن العلماء كعيسى بن عمر - شيخ الخليل وسيبويه - ومن تابعه، من يمنع العلم المنقول عن فعل مطلقاً، وإن جاء على ما يغلب في الأسماء. كأن تسمي رجلا: "كتب، او حمدَ او طرف او حوقل". ويصرف ما عداه من المنقول عن اسم: كرجب او عن صفة: كحسن. وما قوله ببعيد من الصواب. وإن خالفه الجمهور. وفي مقدمتهم تلميذه سيبويه. لأن النقل عن الفعل ليس كالنقل عن اسم او صفة. فهو قوة له في منعه من الصرف.
(2) العلم المنقول عن فعل، يجوز أَن تعامله معاملة الأسماء الممنوعة من الصرف فترفعه بالضمة، وتنصبه وتجره بالفتحة. ويجوز أَن تعامله معاملة الجملة المحكية. فإن روعي في أَصل النقل. أَنه منقول من الفعل مجرداً عن ضميره، يعرب إِعراب ما لا ينصرف، وهذا هو الأكثر في الأفعال المنقولة. فتقول: "جاء يشكر وشمر، ورأيت يشكر واشمر، ومررت بيشكر وشمر". وإن كان مراعى فيه أَنه منقول عن الجملة. أَي عن الفعل مضمراً فيه الفاعل، يعرب إعراب الجملة المحكية فتبقيه على حاله من الحركة أَو السكون، رفعاً ونصباً وجراً. لأنه نقل عن جملة محكية". فيحكة على ما كان عليه. فإن سميت رجلا "يكتب أو استخرج"، باعتبار أن كل واحد منهما جملة مشتملة على فعل وفاعل مضمر، قلت: جاء يكتب واستخرج" ورأَيت يكتب واستخرج، ومررت بيكتب واستخرج".
وعليه قوله:
*نبئت أَخوالي، بني تزيد * ظلماً علينا لهم فديد*
وهذا يجري مع المنقول عن فعل يغلب وزنه في الاسماء قولاً واحداً. لأن إِعرابه إعراب المحكي، لا إِعراب ما لا ينصرف. وعليه فتقول فيمن سميته: كتب، منقولاً إلى العلمية مع ضميره، "جاء كتب، ورأيت كتب، ومررت بكتب".
(3) ما كان مبدوءاً بهمزة وصل: من الافعال التي سميت بها، فإنك تقطع همزته بعد نقله إلى العلمية. لانه يلتحق بنظائره من الاسماء بعد التسمية به. فإن سميت بانصرف واستخرج ونحوهما، قلت: "جاء انطلقُ واستخرجُ"، بقطع الهمزة. أما الاسماء المسمى، بها، كانطلاق واستخراج، فلا تقطع همزتها بعد التسمية بها، بل تبقى على حالها. لان نظيرها من الاسماء همزته موصولة.
(4) ان يكون علماً مُركباً تركيبَ مزجٍ، غيرَ مختومٍ بوَيْهِ كبعلبكَّ وحَضْرَموْتَ ومَعْديْ كَرِبَ وقالِيْ قَلا.
(5) أَن يكون عَلماً مزيداً فيه الألف والنونُ: كعُثمانَ وعِمران وغَطفانَ.
(6) أَن يكون عَلماً معدولاً: بأن يكون على وزن "فُعَل". فيُقَدَّرُ معدولاً على وزن "فاعلٍ". وذلك كعُمَرَ وزُفَر وزُحل وثُعَلَ. وهي معدولةٌ عن عامرٍ وزافرٍ وزاحلٍ وثاعلٍ.
وهذا العدل تقديري لا حقيقي. وذلك ان النحاة وجدوا الأعلام التي على وزن "فعل" غير منصرفة، وليس فيها إلا العلمية. وهي لا تكفي وحدها في منع الصرف فقدروا أنها معدولة عن وزن "فاعل"، لأن صيغة "فعل" وردت كثيراً محولة عن وزن فاعل: كغُدَر وفُسَق بمعنى غادر وفاسق).
وما سُمعَ منصرفاً، مما كان على هذا الوزن، كأُدَدٍ، لم يُحكم بعدلهِ.
وقد أَحصى النحاةُ ما سُمعَ من ذلك غيرَ مُنصرفٍ فكان خمسةَ عشرَ عَلماً. وهي: عُمَرُ وزُفَرُ وزُحَلُ وثُعَلُ وجُشَمُ وجُمَحُ وقُزَحُ ودُلَفُ وعُصَمُ وجُحى وبُلَعُ ومُضَرُ وهُبَلُ وهُذَلُ وقُثَمُ" وعدَّها السيوطيُّ في "همع الهوامع" أَربعة عَشرَ، بإسقاطِ "هُذَل".
وَيُلحقُ بها "جُمَعُ وُكتَعُ وبُصَعُ وبُتَعُ". وهي أسماءٌ يؤكَّدُ بها الجمع المؤنث، نحو: "جاءَت النساءُ جُمَعُ وكُتَعُ وبُصَعُ وبُتَعُ" أي: جميعُهنَّ، و "رأيْتهنَّ جُمَعَ وكُتَعَ وبُصَعَ وبُتَعَ" و "مررتُ بهنَّ جُمَعَ وكُتَعَ وبُصَعَ وبُتَعَ". فهي ممنوعةٌ من الصرفِ للتعريفِ وللعَدلِ.
(أما كونها معرفة، فبدليل أنها تؤكد بها المعرفة. كما رأيت. وتعريفها هو بالإضافة المقدرة إلى ضمر المؤكد، إذ التقدير "جاء النساء جميعهن". وأما كونها معدولة، فلأن مفردها جمعاء وكتعاء وبصعاء وبتعاء. فحقها أن تجمع على "جمعاوات وكتعاوات الخ". لأن ما كان على وزن "فعلاء" اسماً، فحقه أن يجمع على "فعلاوات": كصحراء وصحراوات. ولكنهم عدلوا بها عن "فعلاوات" إلى "فعل").
ومما جاءَ غير مصروفٍ للتعريفِ والعدلِ، سَحَر "مجرَّداً من الألفِ واللام والإضافةِ مُراداً به سَحَرُ يومٍ بعينهِ. وإن كان كذلك فلا يكونُ إلا ظرفاً: كجئتُ يومَ الجُمعةِ سَحَرَ.
(أما كونه معرفة، فلأنه أريد به معين. وأما كونه معدولاً، فإنه معدول عن "السحر" بالألف واللام. فإن التقدير "جئت يوم الجمعة السحر").
(7) أن يكون عَلماً مَزيداً في آخره الفٌ للالحاق: كأرْطى وذِفْرَى، إذا سَمّيتَ بها. وألفُها زائدةٌ لألحاق وزنهما بجعفر.
التسميات
نحو عربي