حالات تَقديم المفعول به وتأخيره.. تقديم الفاعل والمفعول أحدهما على الآخر. تقديم المفعول على الفعل والفاعل معا

الأصل في الفاعل أن يَتَّصل بفعله، لأنهُ كالجزءِ منه، ثُم يأتي بعدَهُ المفعولُ. وقد يُعكَسُ الأمرُ.
وقد يَتقدَّمُ المفعولُ على الفعل والفاعل معاً. وكلُّ ذلك إمَّا جائزٌ، وإمَّا واجبٌ، وإمَّا مُمتنع.

تقديم الفاعل والمفعول أحدهما على الآخر:
يجوزُ تقديمُ المفعولِ به على الفاعلِ وتأخيرُه عنه في نحو: "كتبَ زُهيرٌ الدرسَ، وكتبَ الدرسَ زُهيرٌ".
ويجب تقديمُ أَحدِهما على الآخر في خمس مسائل:

1- إذا خُشيَ الإلتباسُ والوقوعُ في الشكِّ، بسبب خفاء الإعراب مع عدَمِ القرينةِ، فلا يُعلَمُ الفاعلُ من المفعول، فيجبُ تقديمُ الفاعل، نحو: "عَلّمَ موسى عيسى، وأكرمَ ابني أخي. وغلَب هذا ذاك". فإن أُمِنَ اللّبسُ لقرينةٍ دالّةٍ، جازَ تقديمُ المفعولِ، نحو: "أكرمتْ موسى سَلمى، وأَضنتْ سُعدَى الحُمّى".

2- أن يتصلَ بالفاعلِ ضميرٌ يعودُ إلى المفعول، فيجبُ تأخيرُ الفاعل وتقديمُ المفعولِ، نحو: "أكرمَ سعيداً غلامُهُ". ومنهُ قولهُ تعالى: {وإذْ ابتلى إبراهيمَ رَبُّهُ بكلماتٍ"، وقولهُ: "يومَ لا ينفع الظّالمينَ مَعذِرتُهم}. ولا يجوزُ أن يقال: "أكرم غلامُهُ سعيداً"، لئلا يلزمَ عَودُ الضمير على مُتأخر لفظاً ورتبةً، وذلك محظورٌ.

وأما قولُ الشاعر: 
وَلَوْ أَنَّ مَجداً أَخلَدَ الدَّهْرَ واحِداً -- مِنَ النَّاسِ، أَبقى مَجْدُهُ الدَّهرَ مُطْعِما

وقول الآخر:
كسَا حِلْمُهُ ذَا الْحِلْمِ أَثوابَ سُؤدُدٍ -- وَرَقَّىَ نَدَاهُ ذَا النَّدَى في ذُرَى الْمَجْدِ

وقوله غيره:
جَزَى رَبُّهُ عَنِّي عَدِيَّ بْنَ حاتِمٍ -- جَزاءَ الكِلابِ الْعاوِياتِ، وقَدْ فَعلْ*

وقول الآخر:
جَزَى بَنُوهُ أبا الْغيْلانِ عنْ كِبَرٍ -- وَحُسْنِ فِعْلٍ كَما يُجْزَى سِنِّمار
فضَرُورةٌ، إن جازتْ في الشعر، على قبُحها، لم تَجزْ في النّثر.

فإنِ اتّصل بالمفعول ضميرٌ يعودُ على الفاعل، جازَ تقديمهُ وتأخيرُهُ فتقول: "أكرمَ الأستاذُ تلميذَهُ. وأَكرمَ تلميذَهُ الأستاذُ"، لأنَّ الفاعلَ رتبتُهُ التقديمُ، سواءٌ أَتقدّمَ أَم تأخّر.

3- أَن يكون الفاعلُ والمفعولُ ضميرينِ، ولا حصرَ في أَحدهما، فيجبُ تقديمُ الفاعل وتأخيرُ المفعول به، نحو: "أَكرمتُه".

4- أَن يكون أَحدُهما ضميراً متصلاً، والآخر اسماً ظاهراً، فيجبُ تقديمُ الضمير منهما، فيُقدّمُ الفاعلُ في نحو: "أكرمتُ علياً"، ويُقدّمُ المفعولُ في نحو: "أكرَمني علي"، وجوباً.

(ولك في المثال الأول تقديمُ المفعول على الفعل والفاعل معاً. نحو: "علياُ أكرمتُ". ولك في المثال الآخر تقديم "عليّ" على الفعل والمفعول به، نحو: "عليٌ أكرمني"، غير أنه يكون حينئذ مبتدأ، على رأي البصريين، ويكون الفاعل ضميراً مستتراً يعود اليه.
فلا يكون الكلام، والحالة هذه، من هذا الباب، بل يكون من المسألة الثالثة، لأن الفاعل والمفعول كليهما حينئذ ضميران).

5- أَن يكون أَحدُهما محصوراً فيه الفعلُ بإلا أَو إنما، فيجبُ تأخيرُ ما حُصِرَ فيه الفعلُ، مفعولاً أو فاعلاً، فالمفعولُ المحصورُ نحو "ما أَكرمَ سعيدٌ إلا خالداً"، والفاعلُ المحصورُ نحو: "ما أكرمَ سعيداً إلا خالدٌ. وإنما أَكرمَ سعيداً خالدٌ".

 ومعنى الحصر في المفعول أن فعل الفاعل محصور وقوعه على هذا المفعول دون غيره. وذلك يكون ردّاً على من اعتقد أن الفعل وقع على غيره، أو عليه وعلى غيره. ومعنى الحصر في الفاعل أن الفعل محصور وقوعه من هذا الفاعل دون غيره. وذلك يكون رداً على ن اعتقد أن الفاعل غيره، أو هو وغيره.

وقد أَجازَ بعضُ النُّحاة تقديمَ أحدِهما وتأخيرَ الآخرِ، أيًّا كان المحصورُ فيهِ الفعلُ، إذا كان الحصرُ بإلا، تَمسكاً بما ورَدَ من ذلك.

فمن تقديم المفعولِ المحصورِ بإلا قولُ الشاعر:
وَلَمَّا أَبَى إِلاَّ جِمَاحاً فُؤَادُهُ -- وَلَمْ يَسْلُ عَنْ لَيْلَى بِمَالٍ ولا أَهلِ

وقول الآخر:
تَزَوَّدْتُ مِنْ لَيْلَى بِتَكْلِيمِ ساعةٍ -- فَما زادَ ضِعْفَ ما بِي كَلامُها

ومن تقديم الفاعلِ المحصورِ بها قولُ الشاعر:
ما عابَ إِلاَّ لَئِيمٌ فِعْلَ ذي كَرَم -- ولا جَفَا قَطُّ إِلاَّ جُبَّأُ بَطَلاَ

وقول الآخر:
نُبِّئْتُهُمْ عَذَّبوا بالنَّارِ جارَهُمُ! -- وَهَلْ يَعَذِّبُ إِلاَّ اللهُ بالنَّارِ؟!

وقولُ غيره:
فَلْم يَدْرِ إِلا اللهُ ما هَيَّجَتْ لَنا، -- عَشِيَّةَ آناءِ الدِّيارِ، وِشامُها

والحق أَن ذلكَ كله ضَرورَةٌ سَوَّغَها ظهورُ المعنى المرادِ ووضُوحهُ، وسَهّلها عدمُ الالتباسِ.
واعلم أَنهُ متى وجبَ تقديمُ أَحدِهما، وجبَ تَأخيرُ الآخر بالضرورة.

تقديم المفعول على الفعل والفاعل معاً:
يجوزُ تقديمُ المفعول به على الفعل والفاعل معاً في نحو: "عليّاً أَكرمتُ. وأَكرمتُ عليّاً"، ومنه قولهُ تعالى: {فَفريقاً كذَّبتم وفَريقاً تقتلونَ}.
ويجبُ تقديمهُ عليهما في أَربعَ مَسائلَ:

1- أَن يكونَ اسمَ شرطٍ، كقولهِ تعالى: {من يُضلِل اللهُ فما لهُ من هادٍ}، ونحو: "أَيَّهُمْ تُكرِمْ أُكرِمْ"، أَو مضافاً لاسمِ شرطٍ، نحو: "هدْيَ من تَتبعْ يَتبعْ بَنوكَ". 

2- أَن يكونَ اسمَ استفهامٍ، كقولهِ تعالى: {فأيَّ آياتِ اللهِ تُنكرِونَ؟}، ونحو: "من أَكرمتَ؟ وما فعلتَ؟ وكمْ كتاباً اشتريتَ؟" أَو مُضافاً لاسم استفهامِ، نحو: كتابَ من أَخذتَ؟".

وأَجاز بعضُ العلماء تأخيرَ اسم الإستفهام، إذا لم يكن الاستفهامُ ابتداءً، بل قُصِدَ الإستثباتُ من الأمر، كأن يُقالَ: "فعلتُ كذا وكذا"، فتستثبِتُ الأمرَ بقولكَ: "فعلتَ ماذا؟". وما قولُهم ببعيدٍ من الصواب.

3- أَن يكون "كمْ" أَو "كأيِّنْ" الخَبريَّتينِ، نحو: "كم كتابٍ مَلَكتُ!"، ونحو: "كأيِّنْ من عِلمٍ حَوَيتُ!"، أَو مضافاً إلى "كم" الخبريَّةِ نحو: ذَنبَ كم مُذْنِبٍ غَفرتُ!".

(أما "كأين" فلا تضاف ولا يضاف اليها. وانما وجب تقديم المفعول به ان كان واحداً مما تقدم، لأنّ هذه الأدوات لها صدر الكلام وجوباً، فلا يجوز تأخيرها).

4- أَن ينصبهُ جوابُ "أَما"، وليسَ لجوابها منصوبٌ مُقدَمٌ غيرُهُ، كقولهِ تعالى: {فأمّا اليتيم فلا تَقهرْ، وأَمَّا السائلَ فلا تَنهرْ}.

(وانما وجب تقديمه، والحالة هذه، ليكون فاصلاً بين "أما" وجوابها، فان كان هناك فاصل غيره فلا يجب تقديمه، نحو: "أما اليوم فافعل ما بدا لك").

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال