الحكم التكليفي لتشميت العاطس

من معاني التّشميت لغة: الدّعاء بالخير والبركة.
وكلّ داع لأحد بخير فهو مُشَمِّت ومسمّت بالشّين والسّين، والشّين أعلى وأفشى في كلامهم.
وكلّ دعاء بخير فهو تشميت.
وفي حديث «تزويج عليّ بفاطمة رضي الله عنهما: شمّت عليهما»: أي دعا لهما بالبركة.
وفي حديث العطاس: «فشمّت أحدهما ولم يشمّت الآخر».
فالتّشميت والتّسميت: الدّعاء بالخير والبركة.
وتشميت العاطس أو تَسْمِيته: أن يقول له متى كان مسلما: يرحمك اللّه.
وهو لا يخرج في الاصطلاح الفقهيّ عن هذا المعنى.

الحكم التّكليفيّ:
اتّفق العلماء على أنّه يشرع للعاطس عقب عطاسه أن يحمد اللّه، فيقول: الحمد للّه، ولو زاد: ربّ العالمين كان أحسن كفعل ابن مسعود. ولو قال: الحمد للّه على كلّ حال كان أفضل كفعل ابن عمر.

وقيل يقول: الحمد للّه حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه، كفعل غيرهما.
وروى أحمد والنّسائيّ من حديث سالم بن عبيد مرفوعا «إذا عَطَس أحدكم فليقل: الحمد للّه على كلّ حال أو الحمد للّه ربّ العالمين».

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد للّه على كلّ حال» ومتى حمد اللّه بعد عطسته كان حقّا على من سمعه من إخوانه المسلمين غير المصلّين أن يشمّته "يرحمك اللّه" فقد روى البخاريّ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه «إذا عطس أحدكم فحمد اللّه فحقّ على كلّ مسلم سمعه أن  يقول: يرحمك اللّه».
 
وفي صحيح البخاريّ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد للّه. وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك اللّه. فإذا قال له: يرحمك اللّه فليقل : يهديكم اللّه ويصلح بالكم».

وعن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «حقّ المسلم على المسلم خمس: ردّ السّلام، وعيادة المريض واتّباع الجنائز، وإجابة الدّعوة، وتشميت العاطس» وفي رواية لمسلم «حقّ المسلم على المسلم ستّ: إذا لقيته فسلّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد اللّه تعالى فشمّته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتّبعه». وإن لم يحمد اللّه بعد عطسته فلا يشمّت. فعن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه مرفوعاً «إذا عطس أحدكم فحمد اللّه فشمّتوه، فإن لم يحمد اللّه فلا تشمّتوه».

وعن أنس رضي الله عنه قال: «عطس رجلان عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم فشمّت أحدهما ولم يشمّت الآخر. فقال الّذي لم يشمّته: عطس فلان فَشَمّتَّه، وعطست فلم تشمّتني فقال: إنّ هذا حمد اللّه تعالى، وإنّك لم تحمد اللّه تعالى» وهذا الحكم عامّ وليس مخصوصا بالرّجل الّذي وقع له ذلك. يؤيّد العموم ما جاء في حديث أبي موسى 
«إذا عطس أحدكم فحمد اللّه فشمّتوه، وإن لم يحمد اللّه فلا تشمّتوه».

فالتّشميت قد شرع لمن حمد اللّه دون من لم يحمده، فإذا عرف السّامع أنّ العاطس حمد اللّه بعد عطسته شمّته، كأن سمعه يحمد اللّه، وإن سمع العطسة ولم يسمعه يحمد اللّه، بل سمع من شمّت ذلك العاطس، فإنّه يشرع له  التّشميت لعموم الأمر به لمن عطس فحمد ، وقال النّوويّ المختار أنّه يشمّته من سمعه دون غيره .

وهذا التّشميت سنّة عند الشّافعيّة.
وفي قول للحنابلة وعند الحنفيّة هو واجب. 
وقال المالكيّة، وهو المذهب عند الحنابلة بوجوبه على الكفاية.
ونقل عن البيان أنّ الأشهر أنّه فرض عين، لحديث «كان حقّا على كلّ مسلم سمعه أن يقول له : يرحمك اللّه».

فإن عطس ولم يحمد اللّه نسيانا استحبّ لمن حضره أن يذكّره الحمد ليحمد فيشمّته. 
وقد ثبت ذلك عن إبراهيم النّخعيّ.

ويندب للعاطس أن يردّ على من شمّته: فيقول له: يغفر اللّه لنا ولكم، أو يهديكم اللّه ويصلح بالكم، وقيل: يجمع بينهما، فيقول: يرحمنا اللّه وإيّاكم ويغفر لنا ولكم.

فقد روي عن ابن عمر أنّه كان إذا عطس فقيل له: يرحمك اللّه. قال: "يرحمنا اللّه وإيّاكم ويغفر اللّه لنا ولكم".

قال ابن أبي جمرة: في الحديث دليل على عظيم نعمة اللّه على العاطس. يؤخذ ذلك ممّا رتّب عليه من الخير. وفيه إشارة إلى عظيم فضل اللّه على عبده. فإنّه أذهب عنه الضّرر بنعمة العطس، ثمّ شرع له الحمد الّذي يثاب عليه، ثمّ الدّعاء بالخير بعد الدّعاء بالخير وشرع هذه النّعم المتواليات في زمن يسير فضلا منه وإحساناً.

فإذا قيل للعاطس: يرحمك اللّه ، فمعناه: جعل اللّه لك ذلك لتدوم لك السّلامة، وفيه إشارة إلى تنبيه العاطس على طلب الرّحمة والتّوبة من الذّنب، ومن ثَمَّ شرع به الجواب بقوله: غفر اللّه لنا ولكم وقوله: ويصلح بالكم أي شأنكم. وقوله تعالى: {سَيَهْدِيهمْ وَيُصْلِحُ بَالَهمْ} أي شأنهم. وهذا ما لم يكن في صلاته أو خلائه.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال