المبتدأ الصفَة.. تكون بمنزلة الفعل

قد يُرفعُ الوصفُ بالابتداءِ، إن لم يطابق موصوفَةُ تثنيةً أو جمعاً، فلا يحتاجُ الى خبر، بل يكتفي بالفاعل أو نائبه، فيكون مرفوعاً به، ساداً مَسَدَّ الخبر، بشرط أن يتقدَّمَ الوصفَ نفيٌ او استفهامٌ.

وتكونُ الصفةُ حينئذٍ بمنزلة الفعل، ولذلك لا تُثنى ولا تُجمَعُ ولا تُوصفُ ولا تُصغّرُ ولا تُعرَّفُ. ولم يشترط الاخفش والكوفيون ذلك، فأجازوا أن يُقال: "ماجحٌ ولداكَ، وممدوحٌ أبناؤك".

ولا فرقَ بينَ أن يكونَ الوصفُ مشتقّاً، نحو: "ما ناجحٌ الكسولان" و "هل محبوبٌ المجتهدون"، او اسماً جامداً فيه معنى الصفة، نحو: "هل صَخْرٌ هذانِ المُعاندان؟" و "ما وحشيٌّ أخلاقُكَ".

ولا فرقَ أيضاً بينَ أن يكونَ النفيُ والاستفهام بالحرف، كما مُثلَ، او بغيره، نحو: "ليسَ كسولٌ ولداكِ" و "غيرُ كسولٍ أبناؤكَ" و "كيف سائرٌ أخواكَ"، غير أنهُ معَ "ليسَ" يكونُ الوصفُ اسماً لها، والمرفوعُ بعدَهُ مرفوعاً به سادّاً مسَدَّ خبرها، ومع "غيرٍ" ينتقلْ الابتداءُ إليها، ويُجر الوصفُ بالإضافة إليها، ويكونُ ما بعدَ الوصفِ مرفوعاً به سادّاً مسدَّ الخبر.

وقد يكونُ النفيُ في المعنى نحو: "إنما مجتهدٌ ولداكَ"، إذ التأويلُ: "ما مجتهدٌ إلاّ ولداكَ".

فان لم يقع الوصفُ بعد نفيٍ او استفهامٍ، فلا يجوز فيه هذا الاستعمالُ، فلا يقالُ: "مجتهد غلاماكَ"، بل تجبُ المطابقةُ، نحخو: "مجتهدانِ غلاماك". وحينئذٍ يكونُ خبراً لما بعده مُقدَّماً عليه. وقد يجوزُ على ضعفٍ، ومنه الشاعر: 
خَبِيرٌ بَنُو لِهْبٍ، فَلا تَكُ مُلْغِياً -- مَقالةَ لِهْبيٍّ، إِذا الطَّيْرُ مَرَّتِ

والصفةُ التي تقعُ مبتدأ، إنما ترفعُ الظاهرَ، كقول الشاعر:
أَقاطِنٌ قَوْمُ سَلْمَى، أمْ نَوَوْا ظَعَنا؟ -- إِنْ يَظْعَنُوا فَعَجِيبٌ عَيْشُ ومَنْ قَطَنا

أو الضميرَ المنفصلَ، كقول الآخر:
خَليليَّ، ما وافٍ بِعَهْدِيَ أنتُما -- إذا لم تكونا لي على مَنْ أُقاطِعُ

فإن رفعتِ الصفةُ الضميرَ المستترَ، نحو: "زُهيرٌ لا كسولٌ ولا بَطيءٌ" لم تكن من هذا الباب، فهي هنا خبرٌ عمّا قبلَها.

وكذا إن كانت تكتفي بمرفوعها، نحو: "ما كسولٌ أخواهُ زُهيرٌ"، فهي هنا خبر مقدَّمٌ، وزهيرٌ: مبتدأ مؤخر، وأخواهُ: فاعلُ كسول.

واعلم أن الصفةَ، التي يُبتدأُ بها، فتكتفي بمرفوعها عن الخبر، إنما هي الصفةُ التي تُخالفُ ما بعدها تثنيةً أو جمعاً، كما مَرَّ.

فإن طابقتهُ في تثنيتهِ أو جمعه، كانت خبراً مُقدَّماً، وكان ما بعدها مبتدأ مؤخراً، نحو: "ما مُسافرانِ أخوايَ، فهل مسافرونَ إخوتُكَ؟".

أمَّا إن طابقته في إفراده، نحو: "هل مسافرٌ أخوكَ؟"، جاز جعل الوصفِ مبتدأً، فيكونُ ما بعدَه مرفوعاً به، وقد أغنى عن الخبر، وجاز جعلُهُ خبراً مُقدماً وما بعدهُ مبتدأً مؤخراً.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال