حالات جواز الحالين في المستثنى بـ(إلا).. النصب أو جعله بدلا من المستثنى منه

متى يجوز في المستثنى بالاّ الوجهان؟

يجوز في المستثنى بإلاّ الوجهان - جَعلُهُ بَدَلاً من المستثنى منه.
ونصبُهُ بالاّ - إن وقعَ بعدَ المستثنى منه في كلامٍ تام منفيٍّ أو شِبهِ منفيّ، نحو: "ما جاءَ القومُ إلاّ علي، وإلا علياً". وتقولُ في شِبه النفي: "لا يَقمْ أحدٌ إلاّ سعيدٌ، وإلا سعيداً. وهل فعلَ هذا أحدٌ إلا أنت، وإلا إياك!" والاتباع على البدليّة أولى.
والنصبُ عربي جَيِّدٌ. ومنه قوله تعالى: {ولا يَلتفتْ منكم أحدٌ إلا امرأتَكَ}. "وقُرئَ إلا امرأتُكَ"، بالرفع على البدلية.

البدلية:

ومن أمثلة البدليّةِ، والكلامُ منفيٌّ، قولُهُ تعالى: {ما فعلوهُ إلاَّ قليلٌ منهم}، وقرئَ "إلاّ قليلاً" بالنصب بالاّ، وقولُهُ: {لا إله إلاّ اللهُ}، وقوله: {ما من إله إلاّ إلهٌ واحدٌ}، وقوله: {ما من إلهٍ إلاّ اللهُ}.
ومن أمثلتها، والكلامُ شِبهُ منفي، لأنهُ استفهامٌ إنكاري، قولهُ تعالى: {ومَن يغفرُ الذُّنوبَ إِلاّ اللهُ!}، وقولهُ: {ومَن يقنَطُ من رحمةِ ربهِ إلاّ الضّالون؟!}.

وقد يكونُ النفيُ معنوياً، لا بالأداةِ، فيجوزُ فيما بعدَ "إلاّ" الوجهان أيضاً - البدليّةُ والنصبُ بإلاّ، والبدليّة أولى - نحو: "تَبدَّلت أخلاقُ القوم إلاّ خالدٌ، وإلاّ خالداً"، لأن المعنى: لم تَبقَ أخلاقُهم على ما كانت عليه، ومنه قول الشاعر:
وبَالصَّرِيمَةِ مِنْهُمْ مَنْزِلٌ خَلَقٌ + عافٍ، تَغَيَّرَ، إلاَّ النُّؤْيُ وَالْوَتِدُ
فمعنى تغيّرَ: لم يبقَ على حاله.

جواز الوجهين:

وانما جاز الوجهان في مثل ما تقدم، لأنك ان راعيت جانب اللفظ نصبت ما بعد (الا)، لأن الجملة قد استقوفت جزءيها - المسند والمسند اليه - فيكون ما بعد (الا) فضلة، والفضلة منصوبة, وان راعيت جانب المعنى رفعت ما بعدها، لأن المسند إليه في الحقيقة هو ما بعد (الا).
لذلك يصح تفريغ العامل الذي قبلها له وتسليطه عليه. فان قلت: "ما جاء القوم إلا خالد. أو خالداً"، صحّ أن تقول: "ما جاء إلا خالد"، فنصبه باعتبار أنه عمدة في المعنى، فهو بدل مما قبله، والمبدل منه في حكم المطروح. ألا ترى أنك ان قلت: "أكرمت خالداً أباك"، صحّ أن تقول: "أَكرمت أَباك".

ثـلاث فـوائـد:

  • يجوزُ، في نحو: "ما أَحدٌ يقولُ ذلك إلاّ خالدٌ"، رَفعُ ما بعد "إلاَّ" على البدليّةِ من أحدٌ (وهو الأولى)، أو على البدليّة من ضمير "يقولُ". ويجوزُ نصبُهُ على الاستثناء.
ويجوز في نحو: "ما رأيتُ أحداً يقولُ ذلك إلاّ خالداً، نصبُ ما بعد "إلا" على البدليّة من "أحداً" (وهو الأوْلى)، ونصبُهُ "بإلا" ويجوز رفعه على أنه بدلٌ من ضمير "يقولُ" ومن مجيئهِ مرفوعاً على البدليّة من ضمير الفعلِ المستتر قولُ الشاعر:
في لَيْلَةٍ لا نَرَى بِها أَحَداً -- يَحْكِي عَلَيْنا إِلاَّ كَواكِبُها

  • تقولُ: "ما جاءَني من أحدٍ إلا خالداً، أو إلا خالدٌ". فالنصب على الاستثناء، والرفعُ على البدليّة من محل "أحد"، لأن محله الرفع على الفاعليّة، ومن: حرف جر زائد. ولا يجوزُ فيه الجرُّ على البدليّة من لفظ المجرور.
لأن البدل على نية تكرار العامل. وهنا لا يجوز أن تكرره، فلا يجوز أن تقول: "ما جاءني من أحد إلا من خالد". وذلك لأن "من" زائدة لتأكيد النفي، وما بعد "إلا" مثبت، لأنه مستثنى من منفي، فلا تدخل عليه "من" هذه.
لكن إن قلت: "ما أخذت الكتاب من أحد إلا خالد" جاز الجر على البدلية من اللفظ، لأن "من" هنا ليست زائدة. فلو كررت العامل، فقلت: "ما أخذت الكتاب من أحد إلا من خالد"، لجاز.
وكذلك تقولُ: "ليس فلانٌ بشيءٍ إلا شيئاً لا يُعبَأُ به"، بالنصب فقط، إما على الاستثناءِ، وإما على البدليّة من موضع "شيءٍ" المجرور بحرف الجرّ الزائد، لأنَّ موضعَهُ النصب على أنهُ خبرُ "ليسَ". ولا تجوز البدليّة بالجر.
لأن الباء هنا زائدة لتأكيد النفي، وما بعد "إلا" مثبت، فلو كررت الباء مع البدل، فقلت: "ليس فلان بشيء إلا بشيء لا يعبأ به"، لم يجز.
من ذلك قول الشاعر:
أَبَنِي لُبَيْنَى، لَسْتُمُ بِيَدٍ + إِلاَّ يَداً لَيْسَتْ لَها عَضُدُ
لكن، إن قلت: "ما مررت بأحد إلا خالد"، جاز الجرّ على البداية من اللفظ، لأن الباء هنا أصلية، فان قلت: "ما مررت بأحد إلا بخالد"، بتكريرها، جاز.

  • علمتَ أنهُ إذا تقدَّمَ المستثنى على المستثنى منه - في الكلام التامّ المنفيّ - فليس فيه إلا النصبُ على الاستثناء، نحو: "ما جاءَ إلا خالداً أحدٌ"، غير أنَّ الكوفيينَ والبّغداديين يجيزونَ جَعلَهُ معمولاً للعامل السابق، وجعلَ المستثنى منه المتأخر تابعاً له في إعرابه، على أنهُ بدلٌ منه، فيجوّزون أن يقال: "ما جاءَ إلا خالدٌ أحدٌ"، فخالدٌ: فاعلٌ لجاءَ، وأحدٌ: بدلٌ من خالدٌ.
ومن ذلك ما حكاهُ سيبويهِ عن يُونسَ: أنه سمع قوماً يُوثَقُ بِعربيَّتهم، يقولون: "ما لي إلا أبوك ناصرٌ"، وعليه قولُ الشاعر:
لأَنَّهُمُ يَرْجُونَ مِنْكَ شَفاعَةً + إِذا لم يَكنْ إِلاَّ النَّبِيُّونَ شافعُ
وهذا من البدل المقلوب.
لأنك ترى أن التابع هنا - وهو البدل: ناصر وشافع - قد كان متبوعاً - أي مبدَلاً منه -، وأنّ المتبوع - وهو المبدل منه: أبوك والنبيون - قد كان تابعاً - أي بدلاً - لأنّ الأصل: "مالي ناصر إلا أبوك، وإذا لم يكن شافع إلا النبيون".
ونظيره في القلب - اي: جعلِ التابع متبوعاً والمتبوع تابعاً - قولك، "ما مررت بمثلك أحد": "فأحد بدل من مثلك مجرور مثله. وقد كان "مثلك" صفة له مؤخرة عنه، لأن الأصل "ما مررت بأحد مثلك".
أحدث أقدم

نموذج الاتصال