حكم تشبيك الأصابع في الصلاة وغيرها وفي المسجد

1- أجمع الفقهاء على أنّ تشبيك الأصابع في الصّلاة مكروه، لما روي عن كعب بن عجرة رضي الله عنه «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قد شبّك أصابعه في الصّلاة، ففرّج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم  بين أصابعه».
وقال ابن عمر رضي الله عنهما في الّذي يصلّي وهو يشبّك أصابعه « تلك صلاة المغضوب عليهم».
  
وأمّا تشبيكها في المسجد في غير صلاة، وفي انتظارها أي حيث جلس ينتظرها، أو ماشيا إليها، فقد قال الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة بكراهة التّشبيك حينئذ، لأنّ انتظار الصّلاة هو في حكم الصّلاة لحديث الصّحيحين «لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصّلاةُ تَحْبِسُه».

ولما روى أحمد وأبو داود وغيرهما مرفوعا «إذا توضّأ أحدكم فأحسن وضوءه ثمّ خرج عامداً إلى المسجد، فلا يشبّك بين يديه فإنّه في صلاة».

وما روى أبو سعيد الخدريّ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبّكنّ، فإنّ التّشبيك من الشّيطان، وإنّ أحدكم لا يزال في صلاة ما دام في المسجد حتّى يخرج منه».

وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا توضّأ أحدكم ثمّ خرج عامدا إلى الصّلاة، فلا يشبّكنّ بين يديه، فإنّه في صلاة».

2- وقد اختلف في الحكمة في النّهي عن التّشبيك في المسجد، فقيل: إنّ النّهي عنه لما فيه من العبث.
وقيل: لما فيه من التّشبّه بالشّيطان .
وقيل: لدلالة الشّيطان على ذلك.

وفي حاشية الطّحاويّ على مراقي الفلاح: حكمة النّهي عن التّشبيك: أنّه من الشّيطان، وأنّه يجلب النّوم، والنّوم من مظانّ الحدث، ولما نبّه عليه في حديث ابن عمر  رضي الله عنهما في الّذي يصلّي وهو يشبّك أصابعه تلك صلاة المغضوب عليهم فكره ذلك لما هو في حكم الصّلاة، حتّى لا يقع في المنهيّ عنه.
وكراهته في الصّلاة أشدّ.

ولا يكره عند الجمهور التّشبيك بعد الفراغ ولو كان في المسجد، لحديث ذي اليدين رضي الله عنه الّذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه - قال «صلّى بنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العَشِيّ - قال ابن سيرين: سمّاها أبو هريرة، ولكن نسيت أنا - قال: فصلّى بنا ركعتين، ثمّ سلّم، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتّكأ عليها كأنّه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبّك بين أصابعه، ووضع خدّه الأيمن على ظهر كفّه اليسرى، وخَرَجَتِ السُّرْعانُ من أبواب المسجد، فقالوا: قُصِرت الصّلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلّماه، وفي القوم رجل في يديه طول يقال له ذو اليدين قال: يا رسول اللّه أنسيتَ أم قصرت الصّلاة؟ قال لم أنس ولم تقصر فقال: أكما يقول ذو اليدين؟ فقالوا: نعم. فتقدّم فصلّى ما ترك، ثمّ سلّم، ثمّ كبّر وسجد مثل سجوده أو أطول ثمّ رفع رأسه وكبّر، ثمّ كبّر وسجد مثل سجوده - أو أطول، ثمّ رفع رأسه وكبّر. فربّما سألوه: ثمّ سلّم؟ فيقول: نبّئت أنّ عمران بن حصين قال: ثمّ سلّم».

ولا بأس به عند المالكيّة في غير صلاة حتّى ولو في المسجد، لأنّ كراهته عندهم إنّما هي في الصّلاة فقط، إلّا أنّه خلاف الأولى على نحو ما ورد بالشّرح الكبير وجواهر الإكليل.

وفي مواهب الجليل ما نصّه: وأمّا بالنّسبة لغير الصّلاة فالتّشبيك لا بأس به حتّى في المسجد.
قال ابن عرفة: وسمع ابن القاسم - أي من مالك -: لا بأس بتشبيك الأصابع يعني في المسجد في غير صلاة.

وأومأ داود بن قيس ليد مالك مشبّكاً أصابعه به - أي بالمسجد - ليطلقه وقال: ما هذا؟ فقال مالك: إنّما يكره في الصّلاة.
وقال ابن رشد: صحّ في حديث ذي اليدين تشبيكه صلى الله عليه وسلم بين أصابعه في المسجد . 

3- وأمّا تشبيكها خارج الصّلاة فيما ليس من توابعها: بأن لم يكن في حال سعي إليها، أو جلوس في المسجد لأجلها، فإن كان لحاجة نحو إراحة الأصابع - وليس لعبثٍ بل لغرض  صحيح - فإنّه في هذه الحالة لا يكره عند الحنفيّة، فقد صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً» وشبّك بين أصابعه. فإنّه لإفادة تمثيل المعنى، وهو التّعاضد والتّناصر بهذه الصّورة الحسّيّة. 
فلو شبّك لغير حاجة على سبيل العبث كره تنزيها.

وفي حاشية الشبراملسي من الشّافعيّة: أنّه إذا جلس في المسجد لا للصّلاة بل لغيرها، كحضور درس أو كتابة، فلا يكره ذلك في حقّه لأنّه لم يصدق عليه أنّه ينتظر الصّلاة. وأمّا إذا انتظرهما معا فينبغي الكراهة، لأنّه يصدق عليه أنّه ينتظر الصّلاة.

وأمّا المالكيّة فقد رأوا كراهة التّشبيك للمصلّي خاصّة ولو في غير مسجد، ولا بأس به عندهم في غير الصّلاة ولو في المسجد، لقول مالك: يكره في الصّلاة حين أومأ داود بن قيس ليده مشبّكاً أصابعه ليطلقه وقال: ما هذا؟.

4- والتّشبيك حال خطبة الجمعة يكره عند غير المالكيّة من الأئمّة، لأنّ مستمع الخطبة في انتظار الصّلاة، فهو كمن في الصّلاة لما سبق. 

وعند المالكيّة: غير مكروه، لأنّ الكراهة عندهم في الصّلاة فقط ولو كان في المسجد، وإن كان هذا هو خلاف الأولى كما تقدّم .

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال