(ما) الكافّة بعد الأحرف المشبهة بـ(ليس)

اذا لحقت (ما) الزائدةُ الاحرفَ المُشبّهةَ بالفعل، كفتّها عن العمل، فيرجعُ ما بعدها مبتدأً وخبراً. وتُسمّى (ما) هذه (ما الكافةَ) لأنها تَكُفُّ ما تلحقُهُ عن العمل، كقوله تعالى: {إنما إِلهكُم إِلهٌ واحدٌ"}، ونحو: {كأنما العلمُ نورٌ} و (لَعلَّما اللهُ يرحمُنا).

غير أنَّ (ليتَ) يجوزُ فيها الإِعمالُ والإِهمالُ، بعدَ أن تَلحقَها (ما) هذه، تقولُ: (ليتما الشبابَ يعودُ) و (ليتما الشبابُ يعودُ). واعمالُها حينئذ أحسنُ من اهمالها. وقد رُوِيَ بالوجهينِ، نصبِ ما بعدَ (ليتما) ورفعه، قولُ الشاعرِ:
قالتْ: أَلاَ لَيتَما هذا الحمامَ لنا -- إلى حَمامَتِنا، أو نِصْفَهُ فَقَدِ

(فالنصب على أن (ليتما) عاملة، و (ذا) اسمها، و "الحمام" بدل منه. والرفع على أنها مهملة مكفوفة بما، و (ذا) مبتدأ، و "الحمام" بدل منه. وكذا "نصفه" إن نصبت الحمام نصبته، وإن رفعته رفعته، لأنه معطوف عليه).

ومتى لحقت ( ما الكافَّة) هذهِ الاحرفَ زالَ اختصاصُها بالأسماء. فَلِذا أُهملت، وجازَ دخولُها على الجملة الفعليّة، كما تدخلُ على الجملة الاسميَّة، إلاَّ (ليتَ). فمن دخولها على الجملةِ الفعلية قولهُ تعالى: {كأنما يُساقونَ الى الموت} وقول الشاعر:
أَعِدْ نَظَراً يا عَبْدَ قَيْسٍ، لَعَلَّما -- أَضاءَتْ لكَ النَّارُ الحِمارَ المُقَيَّدا

ومن دخولها على الجملة الاسميَّة قوله تعالى: {قل انما انا بشرٌ مثلُكُم يُوحى اليَّ انما إلهكم إلهُ واحدٌ}، وقولهُ: {إنما اللهُ إِلهٌ واحدٌ}.

وأما (ليتَ) فانها باقيةٌ على اختصاصها بالأسماءِ، بعدَ أن تلحقها (ما الكافةُ) فلا تدخلُ على الجُمل الفعليَّة، لذلك يُرَجَّحُ ان تبقى على عملها: من نصب الاسمِ ورفعِ الخبر، كما تقدَّم.

فائدة وتنبيه:
 (إن كانت (ما) اللاحقة لهذه الأحرف اسماً موصولاً، او حرفاً مصدرياً، فلا تكفها عن العمل، بل تبقى ناصبة للاسم: رافعة للخبر.

فإن لحقتها (ما الموصولة) كانت (ما) اسمها منصوبة محلاً، كقوله تعالى: {إن ما عندكم ينفد}، أي: إن الذي عندكم ينفد.

وإن لحقتها (ما المصدرية) كان ما بعدها في تأويل مصدر منصوب، على انه اسم "ان" نحو "إن ما تستقيم حسن"، أي: ان استقامتك حسنة. وحينئذ تكتب (ما) منفصلة. كما رأيت. بخلاف (ما الكافة)، فانها تكتب متصلة كما عرفت فيما سلف. وقد اجتمعت "ما" المصدرية و "ما" الكافة في قول امرئ القيس:
فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة -- كفاني ولم أطلب، قليل من المال
ولكنما أسعى لمجد مؤثلٌ -- وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي

فما في البيت الاول مصدرية. والتقدير: لو ان سعيي. وفي البيت الآخر زائدة كافة، أي: ولكني أسعى لمجد مؤثل).

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال