أَقسام المنادى:
المنادَى خمسةُ أقسامٍ: المفردُ المعرفةُ، والنكرةُ المقصودة، والنكرةُ غيرُ المقصودة، والمضافُ، والشبيهُ بالمضافِ.
والمراد بالمفرد والمضاف والشبيه به: ما أريد به في باب "لا" النافية للجنس، فراجعه في الجزء الثاني من هذا الكتاب.
والمراد بالنكرة المقصودة: كل اسم نكرة وقع بعد حرف من أحرف النداء وقُصد تعيينه، وبذلك يصير معرفة. لدلالته حينئذ على مُعّين.
نصب المنادى:
وحكمُ المنادَى أنهُ منصوبٌ، إمّا لفظاً، وإمّا مَحَلاً.
وعاملُ النَّصب فيه، إمّا فعلٌ محذوفٌ وجوباً، تقديرُهُ: "أَدعو"، نابَ حرفُ النداءِ منَابَهُ، وإمّا حرفُ النداءِ نفسُهُ لتَضمنهِ معنى "أَدعو"، وعلى الأول فهو مفعولٌ به للفعل المحذوف، وعلى الثاني فهو منصوب بـ "يا" نفسِها.
النصب لفظا:
فيُنصَبُ لفظاً (بمعنى أنهُ يكونُ مُعرَباً منصوباً كما تُنصب الأسماءُ المُعربَةُ) إذا كان نكرةً غيرَ مقصودةٍ، أو مُضافاً، أو شبيهاً به، فالأول نحو: "يا غافلاً تنبّهْ"، والثاني نحو: "يا عبدَ اللهِ"، والثالثُ نحو: "يا حسناً خُلُقُهُ".
النصب محلا:
ويُنصبُ محلاً (بمعنى أنهُ يكونُ مبنياً في محلِّ نصب) إذا كان مفرداً معرفةً أو نكرةً مقصودةً، فالأولُ نحو: "يا زُهيرُ"، والثاني نحو: "يا رجلُ". وبناؤه على ما يُرفَعُ بهِ من ضمَّةٍ أو ألفٍ أو واوٍ، نحو: "يا علي. يا موسى. يا رجلُ. يا فَتى. يا رجلانِ. يا مجتهدونَ.
بناء المنادى:
بعض أحكام للمنادى المبني المستحق البناء:
1- إذا كان المنادَى، المُستحقُّ للبناء، مبنيّاً قبلَ النداءِ، فإنهُ يبقى على حركة بنائهِ.
ويقالُ فيه: إنهُ مبنيٌّ على ضمَّةٍ مُقدَّرةٍ، منعَ من ظهورها حركةُ البناءِ الأصليَّةُ، نحو: "يا سيبويهِ. يا حَذامِ. يا خَباث. يا هذا. يا هؤلاء". ويظهر أثرُ ضمِّ البناءِ المقدَّر في تابعه، نحو: "يا سيبويهِ الفاضلُ. يا حذامِ الفاضلةُ. يا هذا المتجهِدُ. يا هؤلاءِ المجتهدون".
2- إذا كان المنادَى مفرداً علماً موصوفاً بابنٍ، ولا فاصلَ بينهما، والابنُ مضافٌ إلى علَمٍ:
جاز في المُنادى وجهانِ: ضمُّهُ للبناءِ ونصبُهُ، نحو: "يا خليلُ بنَ أحمدَ. ويا خليلَ بنَ أحمدَ". والفتحُ أولى. أمّا ضمُّهُ فعلى القاعدةِ، لأنه مفردٌ معرفةٌ.
وأما نصبُهُ فعلى اعتبارِ كلمة "ابن" زائدةً، فيكونَ "خليل" مضافاً و "أحمد" مضافاً إليه. وابنُ الشخص يُضافُ إليه، لمكان المناسبة بينهما. والوصف بابنةٍ كالوصفِ بابنٍ، نحو: "يا هندَ ابنةَ خالدٍ. ويا هندُ ابنةَ خالد".
أمّا الوصفُ بالبنت فلا يُغيّر بناءَ المفرد العَلَم، فلا يجوزُ معَها إلا البناءُ على الضمِّ، نحو: "يا هندُ بنتَ خالدٍ".
ويتَعيَّنُ ضَمُّ المنادى في نحو: "يا رجلُ ابنَ خالدٍ. ويا خالد ابنَ أَخينا" لانتفاءِ عَلَميَّةِ المنادَى، في الأول، وعَلَميَّةِ المضافِ إلى ابنِ في الثاني، لأنك، إن حذفتَ ابناً، فقلتَ: "يا رجلَ خالدٍ، ويا خالدَ أخينا"، لم يبق للاضافة معنًى. وكذا يَتعيّنُ ضمُّهُ في نحو: "يا عليٌّ الفاضلُ ابنَ سعيد"، لوجود الفَصل، لأنه لا يجوزُ الفصلُ بينَ المضافِ والمضاف إليه.
3-إذا كُرِّرَ المنادى مضافاً:
فلك نصب الاسمينِ معاً، نحو: "يا سعدَ سعدَ الأوس"، ولكَ بناءُ الأول على الضم، نحو: "يا سعدُ سعدَ الأوس". أما الثاني فهو منصوب أبداً.
أما نصب الأول، فعلى أنه مضاف إلى ما بعد الثاني، والثاني زائد للتوكيد، لا أثر له في حفض ما بعده. أو على أنه مضاف لمحذوف مماثل لما أضيف اليه الثاني. وأما بناؤه (أي بناء الأول) على الضم، فعلى اعتباره مفرداً غير مضاف. وأما نصب الثاني، فلأنه على الوجه الأول توكيد لما قبله، وعلى الوجه الثاني بدلٌ من محل أو عطف بيان.
4- المنادَى المُستحقُّ البناءِ على الضمّ:
إذا اضطُرَّ الشاعر إلى تنوينه جازَ تنوينُهُ مضموناً أو منصوباً. ويكونُ في الحالة الأولى مَبنيّاً، وفي الثانيةِ مُعرباً منصوباً كالعلم المضاف، فمن الأول قول الشاعر:
سَلامُ الله يا مَطَرٌ عَلَيْها + وَلَيْس عَلَيْكَ يا مَطَرُ السَّلامُ
وقولُ الآخر يخاطب جَمَله:
حَيَّيْتكَ عَزَّةُ بَعْدَ الهَجْرِ وَانصَرَفَتْ + فَحَيّ، وَيْحَكَ، مَنْ حَيَّاكَ، يا جَمَلُ
لَيْتَ التَّحِيَّةَ كانَتْ لِي، فَأَشْكرَها، + مَكانَ يا جَمَلٌ: حُيِّيتَ يا رَجُلُ
ومن الثاني قول الشاعر:
ضَرَبَتْ صَدْرَها إليَّ وقالتْ: + يا عَيدِيّاً، لَقَدْ وَقَتْكَ الأَواقي
ومن العلماءِ من اختارَ البناءَ، ومنهم من اختارَ النصبَ، ومنهم من اختارَ البناءَ مع العَلَمِ، والنصبَ مع اسم الجنس.
فوائد:
إذا وقعَ "ابنٌ" أو "ابنةٌ" بينَ علَمينِ - في غير النداء - وأُريدَ بهما وصفُ العَلَم:
فسبيلُ ذلكَ أن لا يُنوَّنَ العلَمُ قبلهما في رفع ولا نصبٍ ولا جرّ، تخفيفاً، وتُحذَفُ همزةُ "ابن" تقولُ: "قالُ عليٌّ بنُ أبي طالب. أُحب عليَّ بنَ أبي طالب. رَضي اللهُ عن عليٍّ بن أبي طالب". وتقولُ: "هذهِ هِندٌ ابنةُ خالدٍ. رأيتُ هندَ ابنةَ خالد. مررت بهندِ ابنةِ خالد". وقد جَوَّزوا - في ضرورة الشعر - تنوينَ العلم الموصوف بهما، وعليه قول الشاعر:
جَارِيةٌ مِنْ قَيْسٍ بنِ ثَعْلَبَهْ + كَأَنَّما حِليَةُ سَيْفٍ مُذْهَبَهْ
أما إن لم يُرَدْ بهما الوصفُ، بل أُريدَ بهما الإخبارُ عن العلَم:
نُوّنَ العلمُ وجوباً، وثبتت همزةُ "ابن"، تقولُ: "خالدٌ ابنُ سعيدٍ. إنَّ خالداً ابنُ سعيدٍ. ظننت خالداً ابنَ سعيدٍ".
فإن وقعا بينَ علَمٍ وغيرِ علَم، فسبيلُ العلَم قبلَها التَّنوينُ مطلقاً، وإنْ وقعا صفةً للعلَم أو خبراً عنه.
فالأول: "هذا خالدٌ ابنُ أخينا. هذه هندٌ ابنةُ أخينا". والثاني نحو: "خالدٌ ابنُ أخينا. إنَّ هنداً ابنةُ أُختنا". وهمزةُ "ابن" تقولُ: "خالدٌ ابنُ سعيدٍ. إنَّ خالداً ابنُ سعيدٍ. ظننت خالداً ابنَ سعيدٍ".
فإن وقعا بينَ علَمٍ وغيرِ علَم، فسبيلُ العلَم قبلَها التَّنوينُ مطلقاً، وإنْ وقعا صفةً للعلَم أو خبراً عنه
فالأول: "هذا خالدٌ ابنُ أخينا. وهذه هندٌ ابنةُ أخينا". والثاني نحو: "خالدٌ ابنُ أخينا. إنَّ هنداً ابنةُ أُختنا".
وهمزةُ "ابن" ثابتةٌ هنا على كل حال، كما رأيت.
التسميات
نحو عربي