حكم تشريك ما لا يحتاج إلى نية في نية العبادة

لا نعلم خلافا بين الفقهاء في جواز تشريك ما لا يحتاج إلى نيّة في نيّة العبادة، كالتّجارة مع الحجّ لقوله تعالى: {وَأَذِّنْ في النَّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وعَلى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيق لِيشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهم وَيَذْكُروا اسمَ اللّهِ في أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ...} وقوله في شأن الحجّ أيضا: {لَيسَ عَليكمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكمْ} نزلت في التّجارة مع الحجّ، والصّوم مع قصد الصّحّة، والوضوء مع نيّة التّبرّد، والصّلاة مع نيّة دفع الغريم ، لأنّ هذه الأشياء  تحصل بغير نيّة فلم يؤثّر تشريكها في نيّة العبادة، وكالجهاد مع قصد حصول الغنيمة.

جاء في مواهب الجليل نقلا عن الفروق للقرافيّ:
من يجاهد لتحصيل طاعة اللّه بالجهاد، وليحصل له المال من الغنيمة، فهذا لا يضرّه ولا يحرم عليه بالإجماع، لأنّ اللّه تعالى جعل له هذا في هذه العبادة.
ففرّق بين جهاده ليقول النّاس: هذا شجاع، أو ليعظّمه الإمام، فيكثر عطاءه من بيت المال.
فهذا ونحوه رياء حرام. وبين أن يجاهد لتحصيل الغنائم من جهة أموال العدوّ مع أنّه قد شرّك .

ولا يقال لهذا رياء، بسبب أنّ الرّياء أن يعمل ليراه غير اللّه من خلقه.
ومن ذلك أن يجدّد وضوءا ليحصل له التّبرّد أو التّنظّف، وجميع هذه الأغراض لا يدخل فيها تعظيم الخلق، بل هي لتشريك أمور من المصالح ليس لها إدراك، ولا تصلح للإدراك ولا للتّعظيم، ذلك لا يقدح في العبادات، فظهر الفرق بين قاعدة الرّياء في العبادات وبين قاعدة التّشريك فيها.

وجاء في مغني المحتاج : من نوى بوضوئه تبرّدا أو شيئا يحصل بدون قصد كتنظّف، ولو في أثناء وضوئه (مع نيّة معتبرة) أي مستحضرا عند نيّة التّبرّد أو نحوه نيّة الوضوء أجزأه ذلك على الصّحيح، لحصول ذلك من غير نيّة، كمصلّ نوى الصّلاة ودفع الغريم فإنّها تجزئه، لأنّ اشتغاله عن الغريم لا يفتقر إلى نيّة.

والقول الثّاني يضرّ، لما في ذلك من التّشريك بين قربة وغيرها، فإن فقد النّيّة المعتبرة، كأن نوى التّبرّد أو نحوه وقد غفل عنها، لم يصحّ غسل ما غسله بنيّة التّبرّد ونحوه، ويلزمه إعادته دون استئناف الطّهارة.

قال الزّركشيّ: وهذا الخلاف في الصّحّة. أمّا الثّواب فالظّاهر عدم حصوله، وقد اختار الغزاليّ فيما إذا شرّك في العبادة غيرها من أمر دنيويّ اعتبار الباعث على العمل، فإن كان القصد الدّنيويّ هو الأغلب لم يكن فيه أجر، إن كان القصد الدّينيّ أغلب فله بقدره، وإن تساويا تساقطا.

واختار ابن عبد السّلام أنّه لا أجر فيه مطلقا، سواء أتساوى القصدان أم اختلفا.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال