عمل (لا) النافية للجنس وشروط إعمالِها

تعملُ "لا" النافيةُ للجنس عملَ "إنّ"، فتنصبُ الاسمَ وترفعُ الخبر، نحو: "لا احدَ أغيرُ من الله".
وإنما عملتْ عملَها، لانها لتأكيد النفيِ والمبالغةِ فيه، كما أنَّ "إنّ" لتأكيد الاثباتِ والمبالغة فيه.

ويُشترطُ في إِعمالها عملَ "إنّ" اربعةُ شروط:
1- ان تكونَ نصّاً على نفيِ الجنسِ، بأن يُرادَ بها نفيُ الجنس نفياً عامّاً، لا على سبيلِ الاحتمال. 

فإن لم تكن لفني الجنس على سبيل التنصيص، بأن أريد بها نفي الواحد، أو نفي الجنس على سبيل الاحتمال، فهي مهملة. وما بعدها مبتدأ وخبر، نحو: (لا رجل مسافر) ولك أن تعملها عمل (ليس) نحو: (لا رجل مسافراً) وإرادة نفي الواحد أو الجنس بها هو أمر راجع الى المتكلم، أما السامع فله أن يفهم أحد الأمرين.

2- ان يكون اسمها وخبرُها نكرتين.
(فان كان المسند اليه بعدها معرفة أهملت ووجب تكرارها، نحو: "لا سعيد في الدار ولا خليل").

وقد يقعُ اسمُها معرفةً مُؤَوّلةً بنكرةٍ يرادُ بها الجنسُ، كأن يكونَ الاسمُ عَلَماً مُشتهراً بصفةٍ "كحاتمٍ المُشتهرُ بالجود، وعَنترةَ المشتهر بالشجاعة، وسَحبانَ المشتهرِ بالفصاحة، ونحوهم" فيُجعلُ العلمُ اسم جنسٍ لكل من اتصف بالمعنى الذي اشتهرَ بهِ ذلك العلَمُ، كما قالوا: "لكل فرعونٍ موسىً"، بتنوينِ العلَمينِ، مُراداً بهما الجنسُ، اي: "لكلِّ جبّارٍ قهّارٌ". وذلك نحو: "لا حاتم اليومَ، ولا عنترةَ، ولا سحَبانَ". والتأويلُ: "لا جَوادَ كحاتم، ولا شجاعَ كعنترةَ، ولا فصيحَ كسَحبانَ".

ومنه قولُ الراجز:
لا هَيْثَمَ اللَّيلةَ للِمَطِيِّ -- ولا فَتى إِلاَّ ابنُ خَيبَريِّ

اي: لا حاديَ حَسَنَ الحُداءِ كهيثم، ومنه قول عُمرَ في عليّ (رضي الله عنهما): "قضيّةٌ ولا أبا حَسَنٍ لها"، اي: هذهِ قضيّةٌ ولا فيصلَ لها يَفصِلُها.

وقد يُرادُ بالعلَم واحدٌ مما سُميَ به كقول الشاعر:
ونَبْكي على زَيْدٍ، ولا زَيْدَ مِثْلُهُ -- بَرِيءٌ منَ الحُمَّى سَليمُ الجَوانِحِ

3- ان لا يفصلَ بينها وبين اسمها بفاصل.
فإذا فصل بينهما بشيء، ولو بالخبر، أهملت، ووجب تكرارها، نحو: (لا في الدار رجل ولا امرأة(. وكان ما بعدها مبتدأ وخبراً.

4- أن لا يدخل عليها حرفُ جرّ.
فإن سبقها حرف جر كانت مهملة، وكان ما بعدها مجروراً به، نحو: "سافرت بلا زاد" و "فلان يخاف من لا شيء".

فائدة مهمة:
اعلم ان (لا) النافية للجنس، إنما تدل على نفي الجنس نصاً، إذا كان اسمها واحداً، فان كان مثنى أو جمعاً، نحو: (لا رجلين في الدار) و (لا رجال فيها)، احتمل أن تكون لنفي الجنس، واحتمل أن تكون لنفي وجود اثنين فقط او جماعة فقط، فيجوز أن يكون فيها اثنان أو واحد إن نفيت الجمع، وأن يكون فيها جماعة أو واحد إن نفيت الاثنين، ولذا يجوز أن تقول: (لا رجلين فيها، بل رجل أو رجال) و (لا رجال فيها، بل رجل، أو رجلان).

وكذلك (لا) العاملة عمل (ليس) و (لا) المهملة، فانما يصح أن يراد بها نفي الجنس، إن كان المنفي واحداً، فان كان اثنين او جماعة، جاز أن يراد بهما نفي الجنس، أو نفي الاثنين فقط، أو نفي الجماعة فقط، فيجوز مع نفي الاثنين ان يكون هناك واحد او اثنان فالفرق بين النافية للجنس والعاملة عمل (ليس) أو المهملة، إنما هو إذا كان المنفي واحداً فالاولى لا يجوز ان يراد بها نفي الجنس ونفي الواحد. والأول اكثر، ومنه قول الشاعر:
تعز فلا شيء على الأرض باقيا -- ولا وزر مما قضى الله واقيا

وإنما صح ان يراد بها نفي الجنس، لأن النكرة في سياق النفي تدل على العموم، لهذا يحسن، ان اريد عدم إرادة العموم، ان يؤتى بعدهما بما يزيل اللبس، كأن يقال مثلاً (لا رجلٌ مسافراً، بل رجلان، او رجال) فان اطلق الكلام بعدهما ترجح ان تكونا لنفي الجنس على سبيل الاحتمال.
فاحفظ هذا التحقيق، فإنه امر دقيق، قل ان يتفطن له من يتعاطى النحو.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال