معاني الأَحرف المشبهة بالفعل وحذف أو تقدمهخبرها.. إنَّ. أنَّ. كأنَّ. لكنَّ. ليتَ. لعلَّ. الخبر المفرد، والجملة والشبيه بالجملة

الأحرفُ المشبَّهةُ بالفعل ستَّة، هي: "إنَّ وأنَّ وكأنَّ ولكنَّ وليتَ ولعلَّ".
وحكمُها أنها تدخلُ على المبتدأ والخبرِ فتنصبُ الأولَ، ويُسمّى اسمَها، وترفعُ الآخرَ، ويُسمّى خبرَها، نحو: "إن اللهَ رحيمٌ. وكأنّ العلمَ نورٌ".

(وسميت مشبهة بالفعل لفتح أواخرها، كالماضي، ووجود معنى الفعل في كل واحدة منها. فان التأكيد والتشبيه والاستدراك والتمني والترجي، هي من معاني الافعال).

ويجوزُ في (لعلَّ) أن يقالَ فيها (علَّ) كقوله:
فَقُلْتُ عساها نارُ كأْسٍ وعَلّها -- تَشَكّى، فآتي نَحْوَها فأعُودُها
وفيها لُغاتٌ أُخَرُ قليلةُ الاستعمال.
وفي هذا الفصل ثمانيةَ عشرَ مبحثاً.

مَعاني الأَحرُفِ المُشَبَّهَةِ بالفعْلِ:
معنى: "إنَّ وأنَّ" التوكيدُ، فهما لتوكيدِ اتصافِ المُسنَدِ إليه بالمُسند.

ومعنى: "كأنَّ" التشبيهُ المؤكدُ. لأنها في الاصل مُركبةٌ من "أنَّ" التوكيدية وكافِ التشبيه، فاذا قلتَ: "كأنّ العلمَ نورٌ" فالاصلُ: "إنَّ العلمَ كالنور" ثم إنهم لما أرادوا الاهتمامَ بالتشبيه، الذي عَقَدوا عليه الجملة، قدّموا الكافَ، وفتحوا همزةَ "إنّ"، مكان الكاف، التي هي حرفُ جرّ، وقد صارت وإيّاها حرفاً واحداً يُرادُ به التشبيهُ المؤكد.

ومعنى: "لكنَّ" الاستدراكُ، والتوكيد.
فالاستدراكُ نحو: "زيدٌ شجاعٌ، ولكنه بخيل"، وذلك لانَّ من لوازم الشجاعةِ الجودَ، فاذا وصفنا زيداً بالشجاعة، فرُبما يُفهمُ أنهُ جوادٌ أيضاً، لذلك استدركنا بقولنا: "لكنه بخيل".

والتوكيدُ نحو: "لو جاءني خليلٌ لأكرمتُهُ، لكنه لم يجيء"، فقولك: لو جاءني خليلٌ لأكرمتُه" يفهم منه أنه لم يجيء، وقولك: "لكنه لم يجيء" تأكيدٌ لنفي مجيئه:

ومعنى "ليتَ" التمني، وهو طلبُ مالا مطمع فيه، أو ما فيه عُسرٌ، فالأول كقول الشاعر:
أَلا لَيْتَ الشَّبابَ يَعُودُ يَوماً -- فأُخبرَهُ بما فَعَل المَشِيبُ

والثاني كقول المعسر: "ليتَ لي ألفَ دينارٍ".
وقد تُستعمل في الامر الممكن، وذلك قليلٌ، نحو: "ليتك تذهب".

ومعنى (لعلَّ) الترجّي والاشفاقُ.
فالترجي طلبُ الامرِ المحبوب، نحو: "لعلَّ الصديقَ قادمٌ".
والاشفاقُ هو الحذَرُ من وقوع المكروه، نحو: "لعلّ المريضَ هالكٌ".
وهي لا تُستعملُ إلاّ في الممكن.

وقد تأتي بمعنى (كي)، التي للتعليل، كقولك: "إبعثْ إليّ بدابتك، لعلي أركبها"، أي: كي أركبها. وجعلوا منه قوله تعالى: {لعلكم تتَّقون. لعلّكم تعقلون. لعلّكم تَذكّرون}، اي: "كي تَتقوا، وكي تَعقلوا، وكي تَتذكّروا".

وقد تأتي ايضاً بمعنى الظنَّ، كقولك "لعلي أزورُك اليوم". والمعنى: أظنَّني أزورك. وجعلوا منه قولَ امريء القيس:
وبُدِّلْتُ قَرْحاً دامِياً بَعْدَ صِحَّةٍ -- لَعَلَّ مَنايانا تَحُولَنَّ أَبْؤُسا

وبمعنى: (عسى)، كقولك: (لعلَّكَ أن تجتهدَ). وجعلوا منه قولَ مُتَمّمٍ:
لَعَلَّكَ يَوْماً أَنْ تُلِمَّ مُلِمَّةٌ -- عَلَيْكَ، منَ اللاَّتي يَدَعْنَكَ أَجدَعا
بدليل دخول (أنْ) في خبرها، كما تدخل في خبر (عسى).

الْخَبرُ المُفْرَدُ، والْجُمْلَةُ، والشبيهُ بالجملة:
يقع خبر الاحرفِ المشبّهة بالفعل مفرداً (أي غيرَ جملةٍ ولا شبْهَها) نحو: "كأنَّ النّجمَ دينارٌ".
وجملةً فعليّةً، نحو: "لعلك اجتهدتَ. وإنَّ العلمَ يُعَزَّزُ صاحبهُ".
وجملة اسمية، نحو: "إنَّ العالمَ قدرُهُ مرتفعٌ" وشِبْهَ جُملةٍ (وهو أن يكون الخبر مُقدَّراً مدلولاً عليه بظرفٍ أو جارّ ومجرورٍ يتعلقانِ بهِ)، نحو: "إنّ العادلَ تحتَ لِواءِ الرَّحمن، وإن الظالمَ في زُمرة الشيطان".

والخبر هنا يصح أن تقدره مفرداً: ككائن وموجود، وأن تقدره جملة ككان ووجد، أو يكون ويوجد. فهو مفرد. باعتبار تقديره مفرداً، وجملة، باعتبار تقديره جملة، فالحقيقة فيه أنه شبيه بالمفرد وبالجملة، وتسميته بشبه الجملة فيها اكتفاء واقتصار.

حَذْفُ خَبَرِ هذهِ الأَحرُف:
يجوز حذف خبرِ هذه الاحرفِ. وذلك على ضربينِ: جائز وواجب:
فيُحذَفُ جوازاً، اذا كان كوناً خاصاً (أي: من الكلماتِ التي يُرادُ بها معنًى خاصّ)، بشرطِ أن يدُلَّ عليه دليلٌ، كقوله تعالى: {إنَّ الذينَ كفروا بالذّكر لمّا جاءهم. وانهُ لكتابٌ عزيزٌ}.
(أي: إن الذين كذبوا بالذكر معاندون، أو هالكون، أو معذبون).

وقال الشاعر:
أَتَوْنِي، فَقالوا: يا جَميلُ، تَبَدَّلتْ -- بُثَيْنَةُ أَبْدالاً، فَقُلْتُ: لَعَلَّها
(أي: لعلها تبدَّلت، أو لعلها فعلت ذلك).

ويحذفُ وجوباً، اذا كان كوناً عاماً (أي: من الكلمات التي تدُلُّ على وجودٍ أو كونٍ مُطلقَينِ، فلا يُفهَمُ منها حَدَثٌ خاصٌّ أو فعلٌ معيَّنٌ، ككائنٍ، أو موجود، أو حاصلٍ) وذلك في موضعينِ:

1- الاولُ بعدَ "ليتَ شِعري"، اذا وَلِيَها استفهامٌ، نحو: "ليتَ شِعري هل تنهضُ الأمةُ؟ وليتَ شِعري متى تنهضُ؟"، قال الشاعر:
*ألاَ لَيْتَ شِعْري كَيْفَ جادَتْ بِوَصْلِها؟ * وكيفَ تُراعي وُصْلةَ المُتَغَيِّبِ*
(أي: ليت شعري (أي: علمي) حاصل. والمعنى: ليتني أشعر بذلك، أي: أعلمه وأدريه. وجملة الاستفهام في موضع نصب على أنها مفعول به لشعري، لأنه مصدر شعر).

2- أن يكونَ في الكلام ظرفٌ أو جار ومجرورٌ يتعلقانِ به، فيُستغنى بهما عنهُ، نحو: "إنَّ العلمَ في الصدور. وانَّ الخيرَ أمامك".
(فالظرف والجار متعلقان بالخبر المحذوف المقدر بكائن أو موجود أو حاصل).

تَقَدُّمُ خبَرِ هذِه الأَحرُف:
لا يجوزُ تقدُّمُ خبرِ هذه الاحرف عليها، ولا على اسمها.

أما معمولُ الخبرِ، فيجوزُ أن يتقدَّم على الاسم، ان كان ظرفاً أو مجروراً بحرف جرٍّ، نحو: "إنَّ عندَك زيداً مُقيمٌ"، قال الشاعر:
فَلا تَلْحَني فيها، فإنَّ بِحُبِّها -- أَخاكَ مُصابُ الْقَلْبِ جُمٌّ بَلابِلُهْ

ومن ذلك أن يكون الخبرُ محذوفاً مدلولاً عليه بما يتعلقُ به من ظرفٍ مأو جارٍّ ومجرورٍ مُتقدمين على الاسم، نحو: "إنَّ في الدَّار زيداً"، ومنهُ قولهُ تعالى: "إنَّ فيها قوماً جبّارينَ، وقولهُ: "إنَّ مع العُسرِ يُسراً".

(فالظرف والجار متعلقان بالخبر المحذوف غير أنه يجب أن يقدر متأخراً عن الاسم، إذ لا يجوز تقديمه عليه. كما علمت. وليس الظرف أو الجار والمجرور هو الخبر، كما يتساهل بذلك كثير من النحاة، وإنما هما معمولان للخبر المحذوف، لأنهما متعلقان به).

ويجبُ تقديمُ معمولِ الخبر، إن كان ظرفاً أو مجروراً، في موضعين:
1- أن يَلزمَ من تأخيره عودُ الضمير على متأخرٍ لفظاً ورتبةً وذلك ممنوعٌ نحو: "إنَّ في الدَّار صاحبَها".

(فلا يجوز أن يقال "ان صاحبها في الدار)"، لأن "ها" عائدة على الدار. وهي متأخرة لفظاً، وكذلك هي متأخرة رتبة، لأن معمول الخبر رتبته التأخير كالخبرِ".

2- أن يكون الاسمُ مُقترِناً بلامِ التأكيد، كقوله تعالى: {وإنَّ لنا للآخرة والأولى}، وقولهِ: {إنَّ في ذلك لَعِبْرةً لأولي الأبصارِ}.

أما تقديمُ معمولِ الخبرِ على الخبر نفسهِ، بحيثُ يَتوَّسطُ بينَ الاسمِ والخبر، فجائزٌ، سواءٌ أكانَ معمولهُ ظرفاً أو مجروراً أم غيرَهما، فالاولُ نحو: "إنكَ عندَنا مقيمٌ"، والثاني نحو: "إنكَ في المدرسة تتعلّمُ"، والثالث نحو: "إنَّ سعيداً دَرْسَهُ يكتبُ".

فائدة:
متى جاء بعد "إن" أو إحدى أخواتها ظرف أو جار ومجرور، كان اسمها مؤخراً. فليتنبه الطالب الى نصبه، فان كثيراً من الكتاب والمتكلمين يخطئون فيرفعونه، لتوهمهم أنه خبرها نحو: "إن عندك لخبراً"، ونحو: "لعل في سفرك خيراً".

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال