حكم المستثنى بـ(خلا وعدا وحاشا).. جواز النصب والجر

تعريف خلا وعدا وحاشا:

خلا وعدا وحاشا: أفعال ماضيةٌ، ضُمّنت معنى "غلا" الاستثنائية، فاستثنيَ بها، كما يُستثنى بإلاّ.
وحكمُ المستثنى بها جوازُ نصبِه وجرّهِ.

النصب والجر:

فالنصبُ على أنها أفعالٌ ماضية، وما بعدَها مفعولٌ به.
والجرُّ على أنها أحرفُ جرٍّ شبيهةٌ بالزائدِ، نحو: "جاءَ القومُ خَلا عليّاً، أو عليٍّ".
والنصبُ بخلا وعَدا كثيرٌ، والجرُّ بهما قليلٌ. والجرُّ بحاشا كثيرٌ، والنصبُ بها قليلٌ.
وإذا جررتَ بهن كان الاسمُ بعدَهنَّ مجروراً لفظاً، منصوباً محلاً على الاستثناءِ.
فإن جُعلت أفعالاً كان فاعلها ضميراً مستتراً يعودُ على المُستثنى منه.والتُزِمَ إفرادهُ وتذكيرهُ، لوقوعِ هذهِ الأفعالِ موقعَ الحرف، لأنها قد تضمّنت معنى "إلا"، فأشبهتها في الجمودِ وعَدَمِ التَّصرُّفِ والاستثناءِ بها. والجملةُ إما حالٌ من المستثنى منه، وإما استئنافية.

أفعال ماضية:

ومن العلماءِ من جعلها أفعالاً لا فاعلَ لها ولا مفعولَ، لأنها محمولةٌ على معنى "إلا"، فهي واقعةٌ موقعَ الحرفِ. والحرفُ لا يحتاج إلى شيء من ذلك. فما بعدَها منصوبٌ على الاستثناء، حملاً لهذه الأفعال على "غلا". وهو قولٌ في نهاية الحِذقِ والتَّدقيق.

قال العلامة الاشموني في شرح الالفية: "ذهب الفراءُ الى أن (حاشا) فعل، لكن لا فاعل له.
والنصب بعده إنما هو بالحمل على (إلا).
ولم ينقل عنه ذلك في (خلا وعدا).
على أنه يمكن أن يقول فيهما مثل ذلك". قال الصبان في حاشيته عليه: "قوله لا فاعل له، أي ولا مفعول، كما قاله بعضهم.
وقوله بالحمل على "إلا" أي. فيكون منصوباً على الاستثناء ومقتضى حمله على "إلا" أنه العامل للنصب فيما بعده" ا هـ.

والحق الذي ترتاح إليه النفس أن تُجعل هذه الأدوات: "خلا وعدا حاشا" - في حالة نصبها ما بعدها - إما أفعالاً لا فاعل لها ولا مفعول، لأنها واقعة موقع الحرف، وإما أحرفاً للاستثناء منقولة عن الفعلية الى الحرفية، لتضمنها معنى حرف الاستثناء كما جعلوها - وهي جارَّةٌ أحرفَ جر، وأصلها الافعال).

الاقتران بما المصدرية:

وإذا اقترنت بخلا وعدا "ما" المصدريةُ، نحو: "جاءَ القوم ما خلا خالداً" وجبَ نصبُ ما بعدَهما، ويجوزُ جره، لأنهما حينئذٍ فعلانِ. و "ما" المصدريّة لا تَسبقُ الحروفَ. والمصدر المؤوَّل منصوبٌ على الحال بعد تقديره باسم الفاعل، والتقديرُ: جاءَ القومُ خالينَ من خالدٍ.
هكذا قال النحاة، وأنت ترى ما فيه من التكلف والبعد بالكلام عن أسلوب الاستثناء. والذي تطمئن إليه النفس أن "ما" هذه ليست مصدرية.
وإنما هي زائدة لتوكيد الاستثناء، بدليل أن وجودها وعدمه، في إفادة المعنى، سواء على أن من العلماء من أجاز أن تكون زائدة، كما في شرح الشيخ خالد الازهري لتوضيح ابن هشام.

أحكام (حاشا):

أما حاشا فلا تَسبقُها "ما" إلا نادراً. وهي تُستعملُ للاستثناءِ فيما ينزَّه فيه المستثنى عن مشاركة المستثنى منه، تقول: "أهملَ التلاميذُ حاشا سليمٍ"، ولا تقولُ: "صلَّى القومُ حاشا خالدٍ" لأنه لا يتنزَّه عن مشاركة القوم في الصَّلاة. وأما سليم - في المثال الأول، فقد يتنزَّه عن مشاركة غيرهِ في الإهمال.
وقد تكون للتَّنزيه دون الاستثناء، فيُجرُّ ما بعدها إما باللام، نحو: "حاشَ للهِ"، وإما بالإضافة إليها، نحو: "حاشَ اللهِ". ويجوز حذفُ ألفها، كما رأيتُ، ويجوز إثباتها، نحو: "حاشا لله" و "حاشا اللهِ".

ومتى استُعملت للتّنزيهِ المجرَّدِ كانت اسماً مُرادِفاً للتنزيهِ، منصوباً على المفعوليّة المُطلَقةِ انتصابَ المصدرِ الواقع بدلاً من التفُّظ بفعلهِ.
وهي، إن لم تُضَف ولم تُنوَّن كانت مبنيّةً، لشببهها بحاشا الحرفية لفظاً ومعنى. وإن أُضيفت أو نُوّنت كانت مُعرَبةً، لِبُعدِها بالإضافة والتنوينِ من شَبِهٍ الحرف، لأنَّ الحروفَ لا تُضافُ ولا تنوَّنُ، نحو: "حاشَ اللهِ، وحاشا للهِ".

فعل متعد متصرف:

وقد تكونُ فعلاً متعدِّياً مُتصرفاً، مثل: "حاشيتهُ أُحاشيهِ"، بمعنى: استثنيتُه أستثنيهِ. فإن سبقتها "ما" كانت حينئذٍ نافيةً. وفي الحديث: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال: "أُسامة أحبُّ الناسِ إليَّ"، وقال راويهِ: "ما حاشى فاطمةَ ولا غيرَها".
وتأتي فعلاً مضارعاً، تقول: "خالدٌ أفضلُ أقرانهِ، ولا أُحاشي أحداً"، أي: لا استثني، ومنه قول الشاعر:
ولا أرَى فاعلاً في النَّاس يُشْبِهُهُ + وَلا أُحاشِي منَ الأَقوامِ مِنْ أحدِ
وإن قلت: "حاشاك أن تكذب. وحاشى زهيراً أن يُهملَ"، فحاشى: فعلٌ ماضٍ بمعنى: "جانبَ" وتقولُ أيضاً: "حاشى لك أن تُهملَ"، فتكون اللام حرفَ جرّ زائداً في المفعول به للتقوية.
وإن قلتَ: "أُحاشيك أن تقول غير الحقِّ"، فالمعنى أُنزِّهُك.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال