مَعاني أَحرُفِ الْعَطْفِ:
1- الواو:
تكونُ للجمع بين المعطوفِ والمعطوف عليه في الحُكم والاعرابِ جمعاً مطلقاً، فلا تُفيدُ ترتيباً ولا تعقيباً.
فإذا قلتَ: "جاءَ عليٌّ وخالدٌ"، فالمعنى أنهما اشتركا في حكم المجيء، سواءٌ أكان عليٌّ قد جاءَ قبل خالد، أم بالعكس، أم جاءَا معاً، وسواءٌ أكان هناك مُهلةٌ بين مجيئهما أم لم يكن.
2- الفاءُ:
تكونُ للترتيب والتعقيب. فإذا قلتَ: "جاء عليّ فسعيدٌ". فالمعنى أنَّ عليّاً جاءَ أوَّلُ، وسعيداً جاءَ بعدَهُ بلا مُهلةٍ بينَ مجيئهما.
3- ثمَّ:
تكون للتَّرتيبِ والتَّراخي. فإذا قلتَ: "جاءَ عليٌّ ثمَّ سعيدٌ"، فالمعنى أن "عليّاً" جاءَ أولُ، وسعيداً جاءَ بعدهُ، وكان بينَ مجيئهما مُهلة.
4- حتى:
العطفُ بها قليلٌ. وشرطُ العطفِ بها أن يكونَ المعطوفُ اسماً ظاهراً، وأن يكون جزءاً من المعطوف عليهِ أو كالجزء منه، وأن يكون أشرفَ من المعطوف عليه أو أخسَّ منه، وأن يكونَ مفرداً لا جملةً، نحو: "يموتُ الناسُ حتى الأنبياءُ. غلبكَ الناسُ حتى الصبيانُ. أعجبني عليٌّ حتى ثوبُهُ".
واعلم أنَّ "حتى" تكونُ أيضاً حرف جرّ، كما تقدم. وتكون حرف ابتداء، فما بعدها جملةٌ مُستأنفة، كقول الشاعر:
فَما زالَت الْقَتْلى تَمُجُّ دِماءَها + بِدِجْلَةَ، حَتَّى ماءُ دِجْلَةَ أَشْكَلُ
5- أو:
إن وقعت بعدَ الطَّلب، فهي إمّا للتَّخيير، نحو: "تَزوَّجْ هنداً أو أختها"، وإما للاباحة، نحو: "جالس العلماءَ أو الزُهّادَ".
وإما للاضراب، نحو: "إذهبْ إلى دِمَشقَ، أو دَع ذلكَ، فلا تَذهب اليومَ"، أي: بَلْ دَعْ ذلك، أُمرتَهُ بالذهاب، ثمَّ عدلتَ عن ذلك.
والفرق بينَ الإباحة والتَّخيير، أن الاباحةَ يجوز فيها الجمعُ بين الشيئين، فإذا قلتَ: "جالس العلماءَ أو الزُّهّادَ"، جاز لك الجمعُ بين مجالسةِ الفريقينِ، وجاز أن تُجالسَ فريقاً دُون فريق. وأما التّخييرُ فلا يجوزُ فيه الجمعُ بينهما، لأن الجمعَ بينَ الأختين في عقد النكاح غير جائز.
وإن وقعت "أو" بعد كلامٍ خبريٍّ، فهي إمّا للشّك، كقوله تعالى: {قالوا لبِثنا يوماً أو بعَض يومٍ}، وإمّا للابهام، كقوله عزَّ وجل: {وإنا وإياكم لَعلَى هُدًى أو في ضلالٍ مُبين}.
ومنه قولُ الشاعر:
نَحْنُ أَوْ أَنْتُمُ الأُلى أَلِفُوا الحَقَّ + فُبُعْداً لِلمُبْطِلينَ وَسُحْقا
وإما للتقسيم، نحو: "الكلمةُ أسمٌ أَو فعلٌ أو حرفٌ"، وإِمّا للتّفصيل بعدَ الإجمال، نحو: "اختلفَ القومُ فيمن ذهب، فقالوا: ذهب سعيدٌ أَو خالدٌ أو عليٌّ". ومنه قولهُ تعالى: {قالوا ساحرٌ أو مجنونٌ} أي: بعضُهم قال: كذا، وبعضهم قال: كذا. وإمّا للاضراب بمعنى "بل"، كقوله تعالى: {وأرسلناهُ إلى مِئَة ألفٍ، أو يزيدونَ}. أي: بل يزيدون، ونحو: "ما جاءَ سعيد، أو ما جاء خالدٌ".
6- أم:
على نوعين: مُتّصلةٍ ومنقطعة.
فالمتصلةُ: هي التي يكونُ ما بعدَها متّصلاً بما قبلَها، ومشاركاً له في الحكم وهي التي تقعُ بعدَ همزةِ الاستفهام أو همزةِ التسويةِ، فالأولُ كقولك: "أَعليٌّ في الدار أم خالدٌ؟"، والثاني كقوله تعالى: {سواءٌ عليهم أَأَنذَرتَهُم أَم لم تُنذِرهم}. وإنما سُميت متصلةً لأنَّ ما قبلَها وما بعدَها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر.
و "أم" المنقطعةُ: هي التي تكونُ لقطعِ الكلام الأول واستئناف ما بعدَه. ومعناها الإضرابُ، كقوله تعالى: {هل يستوي الأعمى والبصيرُ؟ أم هل تستوي الظُّلماتُ والنُّورُ؟ أم جعلوا للهِ شُرَكاء}. والمعنى: "بل جعلوا لله شركاء"، قال الفرَّاءُ: "يقولون: هل لكَ قِبَلنا حقٌّ؟ أم أنتَ رجلٌ ظالمٌ" يريدون: "بل أنت رجلٌ ظالمٌ" وتارة تَتضمَّنُ معَ الإضراب استفهاماً إنكاريّاً، كقوله تعالى: {أَم لهُ البناتُ ولكمُ البَنون؟}. ولو قَدَّرت "أم" في هذه الآية للاضراب المحضِ، من غير تَضَمُّنِ معنى الانكار، لزمَ المُحال.
7- بَل:
تكونُ للاضراب والعُدول عن شيءٍ إلى آخرَ، إن وقعت بعدَ كلام مُثبَتٍ، خبراً أَو أَمراً، وللاستدراك بمنزلة "لكنْ"، إن وقعت بعدَ نفيٍ أو نهي.
ولا يُعطَفُ بها إلا بشرط أَن يكونَ معطوفُها مفرداً غيرَ جملةٍ.
وهي، إن وقعت بعدَ الإيجاب أو الأمرِ، كان معناها سَلبَ الحكم عما قبلَها، حتى كأنهُ مسكوتٌ عنه، وجعلَهُ لِمَا بعدَها، نحو: "قام سليمٌ، بل خالدٌ" ونحو: "لِيَقُمْ عليٌّ. بل سعيدٌ".
وإن وقعت بعد النفي أو النهي، كان معناها إثباتَ النفي أو النّهي لِمَا قبلها وجعلَ هذه لِمَا بعدَها، نحو: "ما قام سعيدٌ بل خليلٌ"، ونحو: "لا يَذهبْ سعيدٌ بل خليلٌ".
فإن تلاها جملةٌ لم تكن للعطفِ، بل تكونُ حرفَ ابتداءٍ مُفيداً للاضراب الإبطالي أو الإضراب الانتقالي. فالأولُ كقولهِ تعالى: {وقالوا اتَّخذَ الرحمنُ ولداً، سبحانَهُ، بَل عِبادٌ مُكرَمُون}، أي: بل هُم عبادٌ، وقولهِ: {أو يقولونَ بهِ جِنَّةٌ، بل جاءهم بالحق}. والثاني كقولهِ تعالى: {قد أَفلحَ من تَزكّى، وذكرَ اسمَ رَبهِ فَصَلَّى، بل تُؤثرونَ الحياةَ الدُّنيا}، وقولهِ: {وَلدَينا كتابٌ يَنطِقُ بالحق وهُم لا يُظلمونَ، بل قُلُوبهم في غَمرة}.
وقد تُزادُ قبلها "لا"، بعد إثباتٍ أَو نفيٍ، فالأولُ كقول الشاعر:
وَجْهُكِ الْبَدْرُ، لا، بل الشَّمْسُ، لوْ لَمْ + يُقْضَ لِلشَّمْسِ كَسْفَةٌ أو أُفولُ
والثاني كقول الآخر:
وَما هَجَرْتُكِ، لا، بَلْ زادَني شَغَفاً + هَجَرٌ وبُعْدُ تُراخٍ لا إِلى أجلِ
8- لكن:
تكونُ للاستدراكِ، بشرطِ أَن يكون معطوفُها مُفرداً، أي غيرَ جُملة، وأن تكونَ مسبوقةً بنفي أو نهي، وأن لا تقترنَ بالواو، نحو: "ما مررتُ برجلٍ طالحٍ، لكنْ صالحٍ"، ونحو: لا يَقُمْ خليلُ، لكنْ سعيدٌ". فإن وقعت بعدَها جملةٌ، أو وقعت هي بعدَ الواو، فهي حرفُ ابتداءٍ، فالأول كقول الشاعر:
إنَّ ابنَ وَرْقاءَ لا تُخْشى بَوادِرُهُ + لكِنْ وَقائِعُهُ في الحَرْبِ تُنتَظَرُ
والثاني كقولهِ تعالى: {ما كانَ محمد أبا أحدٍ من رجالكم، ولكن رسولَ اللهِ وخاتمَ النّبيينَ}، أي: لكنْ كان رسولَ الله. فرسول: منصوبٌ لأنه خبر "كان" المحذوفة، وليس معطوفاً على "أبا". وكذلك إن وقعت بعد الإيجاب، فهيَ حرفُ ابتداءٍ أيضاً، مثلُ: "قامَ خليلٌ، لكنْ عليٌّ"، فعليٌّ مبتدأ محذوفُ الخبر، والتقديرُ "لكنْ عليٌّ لم يَقُم".
وهيَ بعدَ النفي والنهي مثلُ: "بَلْ": معناها إثباتُ النفي أَو النهي لِمَا قبلَها وجَعلُ ضِدّهِ لِما بعدَها.
9- لا:
تُفيدُ معَ النفي العطفَ. وهيَ تُفيدُ إثباتَ الحُكمِ لِما قبلَها ونَفيَهُ عمّا بعدَها. وشرطُ معطوفها أن يكون مفرداً، أي غيرَ جملة، وأَن يكون بعدَ الإِيجابِ أو الأمرِ، نحو: "جاءَ سعيدٌ لا خالدٌ"، ونحو: خذِ الكتاب لا القلمَ".
وأثبتَ الكوفيُونَ العطفَ بليس، إن وقعت موقعَ "لا"، نحو: "حُذ الكتابَ ليس القلمَ".
وعليه قولُ الشاعر:
أينَ المَقَرُّ؟ وَالإِلهُ الطَّالِبُ + وَالأَشْرَمُ الْمَغْلُوبُ لَيْسَ الْغالِبُ
(فليس هنا: حرف عطف. والغالب معطوف على المغلوب. ولو كانت هنا فعلاً ناقصاً لنصب الغالب على أنه خبرٌ لها).
التسميات
نحو عربي