حكم المستثنى بـ(إلاّ) المنقَطع.. النصب سواء أتقدمَ على المستثنى منه أم تأخر عنه وسواء أكان الكلام موجبا أم منفيا

حُكُم المُستثْنى بِإلاَّ المُنْقَطِعِ:

إن كان المُستثنى بإلا منقطعاً، فليس فيه إلا النصبُ بالا، سواءٌ أتقدَّمَ على المستثنى منه أم تأخر عنه، وسواءٌ أكان الكلام مُوجَباً أم منفياً، نحو: "جاءَ المسافرونَ إلا أمتعتَهم. جاءَ إلا أمتعتَهمُ المسافرون. ما جاءَ المسافرون إلا أمتعتَهم".
ومن الاستثناء المُنقطع قولهُ تعالى: {ما لهم به من علمٍ، إلا اتباعَ الظنّ}، وقوله: {وما لأحدٍ عندَهُ من نِعمةٍ تُجزى، إلا ابتغاءَ وجهِ ربهِ الأعلى}.

البدليّة:

ولا تجوز البدليّةُ في الكلام المنفيّ، هنا، إن صحَّ تَفرُّغ العاملِ قبلَه له وتَسلُّطهُ عليه. فيجيزون أن يقالَ: "ما جاءَ المسافرونَ إلا أمتعتُهم"، لأنك لو قلتَ: "ما جاءَ إلا أمتعةُ المسافرين"، لَصَحَّ.

وعليه قولُ الشاعر:
وبَلْدةٍ لَيْسَ بِها أَنيسُ + إِلاَّ الْيَعافِيرُ، وإِلاَّ العِيسُ

وقول الآخر:
عَشِيَّةَ لا تُغْنِي الرِّياحُ مَكانَها + ولا النَّبْلُ، إِلاَّ المَشْرِفيُّ المُصَمِّمُ

وقول غيره:
وَبِنتَ كِرامٍ قد نَكحْنا، ولم يَكُنْ + لَنا خاطِبٌ إلا السِّنانُ وعامِلُهُ

فــائــدة:

اعلم أنه لا يكون الاستثناء المنقطع إلا إذا كان للمستثنى علاقة بالمستثنى منه، فيتوهم بذكر المستثنى منه دخولُ المستثنى معه في الحكم، فتقول: "جاء السادة إلا خدمهم"، إذا كان من العادة أنهم يجيئون معهم، فان لم يكن ن العادة ذلك فلا معنى لهذا الاستثناء.

وتقول: "رجع المسافرون إلا أثقالهم. أو إلا دوايهم"، لأنّ الإخبار برجوعهم يتوهم منه رجوعُ أثقالهم أو دوابهم معهم.
وقد تكون العلاقة بينهما، لكنه لا يُتوهم دخولُ المستثنى في حكم المستثنى منه، وإنما يذكر لتمكين المعنى في نفس السامع والتهويل به، كأن تقول: "لا يخطب في الحرب خطيبٌ إلا ألسنَ النيران".

وقد صح الاستقناء مع عدم التوقهم لمكان المناسبة بين صوت النار وصوت الخطيب المتأجج حماسة، وللتهويل بشدة الحال.
وكذا إن قلت: "سلكتُ فلاةً ليس فيها أنيس إلا الذئاب، أو إلا وحوشها". فلمناسبة التضاد بين الأنيس والذئاب، ولتمثيل هول الموقف.

لهذا لم يتعدَّ الصواب من أجاز من العرب البدلية في الكلام التام المنفي، من هذا الاستثناء، لأنه في حكم المتصل معنى، ألا ترى أنك إن حذفت المستثنى منه وسلطت العامل فيه على المستثنى صح اللفظ والمعنى, فتقول: "لا يتكلم في الحرب إلا ألسنُ النيران"، وتقول: "مررت بفلاة ليس فيها إلا الذئاب"، من غير أن ينقص من المعنى شيءٌ إلا ما كنت تريده من إعظام الأمر وتهويله. ويجري هذا المجرى الأبيات الثلاثة التي مرت بك آنفاً. هذا هو الحق فاعتصم به.

وبما قدمنا تعلم أنَّ في إطلاق النحاة الكلام، في الاستثناء المنقطع، تساهلاً لا ترضاه أساليب البيان العربي. وتمثيلهم له بقولهم: "جاء القوم إلا حماراً" شيءٌ يأباه كلام العرب. نعم يصح أن تقول: "جاء القوم إلا الحمار، أو إلا حماراً لهم، أو إلا حمارهم" إن كان من العادة أن يكون معهم. أما "جاء القوم إلا حماراً" فلا يجوز، وإن كان من العادة مجيءُ حمار معهم، لأنه لا يجوز استثناء النكرة غير المفيدة (أي التي لم تخصص) من المعرفة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال