المقاتِل - كتابة المقتل.. كتابة المقتل. مقاتل الطالبيّين. وقعة صفّين

تعتبر كتابة المقتل قسماً من علم التاريخ، حيث إنّه ينقل ويوضّح قصة استشهاد الشهداء وزمان ومكان اِستشهادهم عن طريق الرواة، وهدفه هو حفظ وإثبات إخلاص الرجال المخلصين([1]).

ويمكن القول: إنّ كتابة المقتل إِحدى خصائص كتابة التاريخ في المدرسة الكوفية، وكان من أشهر مؤلّفي المقتل هم:
- جابربن يزيد الجعفي المتوفّى 128هــ ق.
- أبو مخنف لوط بن يحي الأزدي المتوفّى170هـ ق.
- هشام بن محمد الكلبي.
- أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي المتوفّى 283هـ ق.
وإليك أشهر مَن كتب في المقاتِل:

1- كتابة المقتل: يعتبر نصر بن مٌزاحم المنقري التميمي([2]) ـ المتوفّى 212هـ ق ـ واحداً من أخباريي الكوفة، حيث سكن مدةً في بغداد، ومن آثاره الثمينة التي تركها، كتاب «وقعة صفّين» والذي حقّقه عبدالسلام محمد هارون وطُبِع في مصر.

ورغم أنّ نصراً کان شيعياً، إلا أنّه كان منصفاً، فكتب موضوعاً فى حدث من الأحداث المصيرية التي حدثت في التاريخ الإسلامي، ونقل بأمانة الأراجيز والمثالب التي قالها المتحاربون في جبهتَي الشام والعراق.

وليست وقعة صفّين المأخذ المهم في حرب صفّين، بل من أجل معرفة الولاة. ونجد فيه الكثير عن التشكيلات العسكرية لأميرالمؤمنين علي (ض)، ومجموعة من علوم الشيعة وآراء الإمام علي (ض) وفضائله عن رسول الله (ص)، حيث بيّن ذلك أصحابه، مثل عمار وهشام بن عتبة.

والمواضيع التي ذكرت في هذا الكتاب عبارة عن: دخول أمير المؤمنين (ض) الكوفة وتعيين الحكام، وخطط حرب صفّين، ورسائل أميرالمؤمنين علي (ض) إلى معاوية، وبالعكس، وتعبئة الجيش في الشام والكوفة، وآراء أصحاب علي (ض)، وتحرّكِ الجيشين إلى صفّين، والأحداث التي وقعت في الطريق من الكوفة إلى صفّين.

وتعتبر الأيّام العشرة الأخيرة لبدء الحرب مقدمة للوقائع والحروب الاُخرى المصيرية، وكذلك خدعة عمرو بن العاص، وضعف الكوفيّين عن مواصلة الحرب، وتعيين الحَكَمين، ومعاهدة صلح صفّين، ورجوع الإمام علي (ض) إلى الكوفة، ومناظرة الحَكَمين.

إنّ هذا الكتاب لم يبحث في دور القبائل اليمنية والنزارية وخاصة قبيلة همدان ومذحج وربيعة في معسكر صفّين فقط, بل بحث في دور القبائل العربية في الفتوحات الإسلامية، وأنساب القبائل وفي اتّساع علاقة كل واحدة مع الاُخرى في عصر ما قبل الإسلام وبعده.

ويوجد في صفحات كتاب نصر بن مزاحم أشعارٌ وأراجيز لشعراء محاربي الجبهتين: الشام والعراق.
وتنقل إلينا هذه الأشعار وصف الوقائع وآراء المجموعتين في النسب والهجاء والتفاخر، وتاريخ الفكر والثقافة الإسلامية في تلك الفترة.
ويميل في توضيح أحداث صفّين باُسلوب أيّام العرب.

ويعتبر أكثر رواة ومشايخ نصر بن مُزاحم من العراقيين، أمثال: الأصبغ بن نُباته، والشِعبي، وبالطبع فقد نقل الروايات أيضاً عن أخباريّي المدينة، فأخذ ثماني روايات عن محمد بن إسحاق([3])، ومع هذا فقد ضعّف([4]) ابن سعد رواية الأصبغ بن نُباته، لأنّه كان شيعياً، ولكنّ حضور الأصبغ بن نُباته - وهو من أصحاب وشيعة أمير المؤمنين (ض) - والذي شاهد أحداث حرب صفّين وتقريرهُ عن معسكري الشام والعراق قد زاد من توثيق مواضيع الكتاب.

إنّ وجود مثل هذه المعلومات الموثقة والجامعة بخصوص هذه الحرب المصيرية في تاريخ الإسلام، مهم رغم عدم الترتيب في توضيح الأحداث، مثال ذلك: إنّ أحداث الأيّام العشرة الأخيرة كانت مرتبة حتى اليوم الخامس، ولكن لم توضّح من اليوم الخامس حتى اليوم الثامن، وأحياناً قد تُكرر الأحداث كحادثة يوم الخميس، وحادثة هاشم بن عتبة([5]) وعبدالله ابن بُديل الخزاعي([6]), ويجب تنظيم وترتيب الأحداث من بين الروايات غير المنظمة.

وأمّا فهرس الشهداء والقتلى من أصحاب الإمام علي (ض) الذي جاء في الروايات الأخيرة في الكتاب فقد وقع فيه سهو وغلط، فإنّه يعدّ بعض القتلى من أصحاب معاوية وبعض الذين قُتلوا في حرب الجمل في ضمن أصحاب الإمام علي (ض).

وجاء في هذا الفهرس عن هند الجَمَلي وزَيد بن صُوحان العبدي، وقد نُقلت بعض التواريخ غير الصحيحة مثل تاريخ لقاء سفير علي (ض) شبث بن ربْعي مع معاوية في شهر ربيع الثاني([7])، وكذلك عن ذهاب وإياب السفراء في أشهر ربيع الأوّل وجمادى الأوّلى وفي جمادى الثانية([8]).

وكانت معركة صفّين قد وقعت في أشهر ذي الحجّة ومحرّم وصفر.
والجدير بالذكر أنّ كثيراً من المورّخين كتبوا وقائع وأحداث صفّين بعد نصر بن مُزاحم.

2- مقاتل الطالبيّين: مؤلّف هذا الكتاب هو علي بن محمد بن الحسين المعروف بأبي الفرج الإصفهاني (المتوفّى 356هـ).
كان فقيه عصره في الشعر والأدب وتاريخ الأنساب والأغاني.
وفي فترة قصيرة كتب أبو الفرج في المقتل، وكتابه «مقاتل الطالبيّين» معروف مشهور.

ويحتوي هذا الكتاب على تراجم طويلة وقصيرة عن (216 ) رجلاً من آل أبي طالب، من السنة الثامنة للهجرة حتى سنة (313) هجرية.

القسم الأوّل منه احتوى على ترجمة جعفر بن أبي طالب حتى نهاية العصر الاُموي وترجمة عبيدالله بن الحسن بن علي. والقسم الثاني، تضمّن ترجمة شهداء آل أبي طالب في العصر العباسي، وفي آخر عصر كل خليفة حتى عصر المقتدر العباسي.

فصنّف أبو الفرج كتابه هذا وجمع فيه الروايات الطوال والقصار، واُستفيد من هذا الكتاب في هذا البحث بخصوص خلافة الحسن بن علي× وثورة الحسين بن علي (ض) وسفارة مسلم بن عقيل وشهادته في الكوفة.

ويعتبر مشايخه ورواته في هذا القسم من المدينة والكوفة، فمنهم: الإمام الصادق (ض)، وابن سعد, ومحمد بن عمر الواقدي، ونصر بن مُزاحم، وأبومخنف، وعوانة بن الحكم، وأبو إسحاق السبيعي(المتوفّى127هـ .ق) وكذلك الشِعبي.

وينقل أبو الفرج أحسن شرح في باب ثورة مسلم بن عقيل في الكوفة وترجمة عن شهداء الطف من أهل بيت رسول الله (ص) في وقعة كربلاء, ولكنّه لم يهتمّ بأصحاب الإمام الحسين× من اليمنيين والنزاريين الذين قُتلوا معه.

وينبغي أن نذكر أيضاً كتاب «الأغاني» لأبي الفرج الإصفهاني والذي يقول عنه الصاحب بن عبّاد: «لقد اشتملت خزائني على مائتين وستة آلاف مجلد ما منها ماهو سميري غيره ولا راقني منها سواه».([9])

لقد وفّقنا في بحثنا هذا وحصلنا على أشعار من شعراء القبائل العربية الجنوبية والنزارية، وعلى بعض المعلومات بخصوص مكانة وعلاقات وقوة القبائل اليمنية.

[1]. صادق اَ ئينه وند، (علم تاريخ در گستره تمدن اسلامي): ص300.
[2]. ابن النديم، الفهرست، ص158.
[3]. وقعة صفّين: 255 و550
[4]. الطبقات الكبرى: 6/ 225.
[5]. وقعة صفيّن: 348و356.
[6]. المصدر السابق: 246و400.
[7]. المصدر السابق: 188.
[8]. وقعة صفين: 190.
[9]. معجم الاُدباء لياقوت الحموي: 13/97.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال