كان مسكن الأقوام السامية (هناك اِحتمال قوي أنها كانت توجد في شبه الجزيرة العربية، والأقوام التي جاءت بعدها من أرض الهلال الخصيب، ووجدوا لقب البابليين والآشوريين والفينيقيين والعبرانيين ونموا ونشؤوا هناك)([1]).
إنّ قرابة الأقوام التي ذُكِرت والأحباش علامة عن وحدة الأقوام؛ إذ كانوا متصلين باصلٍ واحد ويكون مهدهُ العرب([2]).
مع ذلك فإنّ سكّان أثيوبيا ينسبون أنفسهم إلى ملكة سبأ، وإنّهم من أصل عرب الجنوب، وقد ظهراليوم اختلاف في الآراء حول هذا الموضوع لقد شُهِدت نسبة المساواة في الثقافات المتعلقة بالارتباطات والعلاقات التاريخية التي لوحظت من القرن الخامس قبل الميلاد([3]).
نستنتج من ذلك أنّ أهل اليمن عرب ومن أصل سامي، حيث دخلوا من الشمال إلى ناحية جنوب شبه الجزيرة([4]) في تاريخ غير معلوم.
ويطلق على الناس الذين يسكنون في شبه الجزيرة العربية بالعرب، وأمّا نظرية الأخباريين والنسّابين فقد قسّموها إلى قسمين:
- القسم الأوّل:
العرب البائدة، وتشمل قوم عاد وثمود، فقد تكرر اسمهما في القرآن([5]).
وقد سكن قوم عاد في الشمال الغربي من الجزيرة العربية في ناحية الحِسْمى، يعني شمال الحجاز بالقرب من مناطق قوم ثمود.
يظهر من حفريات واكتشافات «هورسفيل»د([6]) في جبل(ارم) الواقع على بعد 25 كيلومتراً من العقبة وأيضاً اكتشافات «سافيجناك»([7]) «وجليدن»([8]).
وقد ذكر القرآن الكريم هذا الموضوع نفسه (اِرم)، إذ تحطّم قبل الإسلام ولم يبقَ منه إلّا عين الماء([9]).
وكان قوم صالح وثمود هم يعبدون الأصنام. (حدودهم بين الشام والحجاز، ولهم مكان بالقرب من شاطئ أثيوبيا، وكانت أرضهم في فَجِّ الناقة، وكانوا قد نحتوا بيوتهم في الجبال، وهي باقية حتى الآن في طريق حجاج الشام بالقرب من وادي القرى، ونحتوا بيوتهم، ولها أبواب صغيرة من الحجر وحجم بيوتهم مثل حجم بيوت الناس في أيامنا هذه)([10]).
- القسم الثاني:
العرب الباقية، وينقسمون إلى قسمين:
1- العرب العاربة (الأصلية) أوالقحطانيون، حيث يقول النسّابون: أنّه يقطان الذي في التوراة([11])، في سِفر([12]) الظهور.
2- العرب المستعربة أو المَعَدِيّة، وعامة الناس الذين يعيشون في قلب شبه الجزيرة والحجاز ونجد هم من ذرية إسماعيل عليه السلام، ويقال لهم: العرب المستعربة؛ لأنّ إسماعيل× لم يكن عربياً، بل جاور العرب وتعلّم العربية؛ ولأنّهم كانوا مشهورين بواسطة النسب إلى عدنان أو معد أو نزار أو مضر أجداد رسول’ السابع عشر الى العشرين وكانوا يعرفون بالعدنانية والمعديّة أو النزارية أو المضرية([13]).
إنّ وجود صحراء الربع الخالي قسمت العرب جغرافياً إلى قسمين، وتركت آثاراً مهمّة وشرائط طبيعية في حياة الناس على هذه الأرض: القسم الأوّل: الشمالية والجنوبية([14])، ومن هنا يسمّون: العرب المعديّة أو الشمالية. والعرب القحطانية أو الجنوبية أو اليمنية.
وقد ذكر في نصّ آشوري عن ملوك نينوا([15]) وأيضاً كلمة «أربي» بمعنی البدوي، وقد استخدمت في التوراة([16]) كلمة «العرب» والأعراب». وأيضاً ذُکر في القرآن الكريم([17]) كلمة «الأعراب» بمعنی الصحراوي والبدوي.
فسكن العرب القحطانيون جنوب الجزيرة العربية، وذكر النسّابون أنّ نسبهم يعود إلى «سام بن نوح» كما في التوراة([18])، ويُعرفون بأنّهم أبناء يَعْرُب بن قحطان([19])، وكان مسكنهم اليمن والشِحر وحضرموت وعُمان، ولهذا يقال لهم: اليمانية.
اختلاف المحيط والمعيشة والنزاع بين أهل الجنوب ـ حيث كانت الحياة عندهم مدنية ونصف مدنية ـ ومع البدويين والصحراويين له أثر كبير وقد انعكس أثره في قصص أيام العرب، منها: يوم خزار الذي وقع بين ربيعة وحلفائهم من معد ومع مذحج وحلفائهم من القبائل اليمنية وأدى إلى انهزام مذحج ([20])، وقسّمت العرب إلى طائفتين: قحطانية وعدنانية.
ووجود الاختلاف في الخط واللغة بين عرب الشمال والجنوب والمنافسة التجارية إنّما يحكي عن وجود النزاع والاختلاف بين العدنانيين والقحطانيين، وقد اشتد ذلك فى عصر الإسلام والعهد الاُموي كما يذكر ذلك المسعودي، ولولد نزار وولد قحطان خَطْب طويل ومناظرات كثيرة في التنازع والتفاخر بالأنبياء والملوك([21]).
وقد انعكس هذا النزاع والتفاخر على الشعر أيضاً، وذُكرت المجموعتان في أشعار الشعراء، حتّى أنّ الكُميِت بن زيد الأسدي الشاعر والفقية والنسّاب الشيعي عندما أنشد شعراء اليمن الموالون لبني اُمية تقرّباً إلى أمير العراق خالد بن عبدالله القسري البجلي أشعاراً في مدح اليمنيين وذم النزاريين.
فقد أنشد قصيدته النونية التي تحتوي على ثلاثمائة بيت في مدح النزاريّين وذم منافسيهم اليمنيين، ومنها هذه الابيات:
وإِنْ رَفَعُوْا مَنَاسِبَهُمْ رَفَعْنا -- إلى مُضَرَ التي لايَجْهَلُوْنا
وإنْ يَتَيَمَّنُوْا يَجِدُوا نِزاراً -- بِأحْسَنِ إِلفَةٍ مُتَنَزِّرِيْنا
بأرْحامٍ شَوَابِكَ عالِمَاتٍ -- إلى أيِّ الْمَناسِبِ يَلْتَقِيْنا
لَهُنَّ مَنَارُ عَدْنانِ بنِ اُُدًّ -- بِهِنَّ إلى ابْن أجرٍ يَهْتَدِيْنا([22])
فأجاب دِعبل بن عليّ الخزاعي كُميت بن زيد الأسدي بقصيدة يمدح فيها قومه، الذين كانوا من ملوك اليمن، وكانت لهم مفاخرات لم تكن للنزاريين فيها مفاخر:
لَقَدْ عَلِمَتْ نزارٌ أنَّ قَوْمي -- إلى نَصْرِ النُّبُوَّةِ سابقينا
همُ كَتَبوُا الكِـتابَ ببابِ مَرْوٍ -- وبابِ الصينِ كانوا الكاتبينا
وهُمْ ضَربوا َسَمَرقَنْداً بشمرٍ -- وَهُمْ غَرَسوا هناك التُّبَّتينا([23])
كل من يرجع إلى الشعر الجاهلي فإنّه يجد الفخر لليمني أو القحطاني والمعدي أو المضري، وكذلك التعصب القبلي الشديد المبني على الدم والقرابة النسبية والسببية([24])، كما هو مفهوم من أشعار المعلقات السبع، كتفاخر لبيد بن ربيعة العامري الشاعرالمخضرم في فضل قومهِ، حيث يقول:
فَبنى لنا بَيتاً رَفيعاً سَمْكُهُ -- فَسَما إليه كَهْلُها وغُلامُها([25])
ويقول عمروبن كلثوم بن مالك التغلبي في معلقتهِ وهو من شعراء الجاهلية:
وَرِثْنا المَجْدَ قَدْ عَلِمَت مَعَدٌّ -- نُطاعِنُ دُونَهُ حتىّ يَبينا
وَقَدْ عَلِمَ القبائِلُ مِنْ مَعَدًّ -- إذا قُبَبٌ بأبْطَحِها بُنِينا
بأنّا المُطْعِمُون إذا قَدَرْنا -- وأنّا المُهْلِكُونَ إذا ابْتُلِينا([26])
وكان حسان بن ثابت الأنصاري ينشد الأشعار في ذم منافسي الأنصار، يعني المكيّين ويدافع عن اليثربيين، ويفتخر في قومهِ على معدّ ونزار، ويقول:
ونحـن بنو الغوث بن نبت بـن مالك بن زيد بن كهلان وأهل المفاخر([27])
وقد لوحظ ممّا تقدّم أنّ الفخر بالأجداد والقبيلة والانتساب القحطاني والعدناني كان في أشعار شعراء الجاهلية والمخضرمين، واشتدّ ذلك في عصر الإسلام، ولكن جواد علي الباحث والمحقق في تاريخ العرب يعتقد أنّ الانتساب القحطاني والعدناني عند العرب في عصر الإسلام كان سبباً فى إعطاء الصبغة الأثرية القديمة وإرجاعها إلى العصر الجاهلي.
والشعراء رغم عصبياتهم القَبيلية القحطانية والعدنانية قاموا بكتابة شعر المدح من أجل كسب المال، وقد رفع شأنهم في عصرخلفاء بني اُمية([28]).
ويضطرنا عنوان البحث إلى إلقاء نظرة سريعة لتاريخ اليمن السياسي والقبلي عند البعثة النبوية، ومعرفة القوى السياسية والقبلية التي لها دور أساس في اليمن كي يتضح تاريخ اليمن، بشكل لا غبار عليه، ونتعرّض إلى معرفة الاُسس السياسية لحكومة اليمن قبل الإسلام وإلقاء نظرة سريعة عليها من دون تفصيل.
[1]. فيليب متّي، تاريخ العرب المفصل، ترجمة أبي القاسم باينده: 8.
[2]. تاريخ العرب المفصل:20.
[3]. Encyclopaedia universalis, paris, 1985, ethiopie.
[4].The new encyclopaedia Britannica, v10, p.278, saba.
[5]. راجع سورئ الفجر (89)، الآية 6 و 9.
[6] Horsfield.
[7] Safignac.
[8] Glidden.
[9]. هادي عالم زادة، التحقيق في أصل وأنساب وطبقات العرب، مسرحية مشكوة، رقم 38، ص59، الربيع 1372ش.
[10]. مروج الذهب للمسعودي: 2/42.
[11]. العبر لابن خلدون: 2/7و8.
[12]. التوراة (الكتاب المقدس)، العهد العتيق، سِفرالظهور، باب 10، الآية 26.
[13]. ر.ك: المسعودي، مروج الذهب، المجلد الثاني، ص51و111؛ ابن خلدون، العبر، الجزءالثاني، ص732؛ وابن هشام،، القسم الأوّل، ص58؛ جواد علي، المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام: الجزءالأوّل، ص354و392.
[14]. فيليب متّي، تاريخ العرب المفصّل، ص41؛ شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي في العصر الجاهلي، ترجمه علي رضا ذكاوتي قراجزلو، ص33.
[15].فيليب متّي، تاريخ العرب المفصّل، ص50.
[16]. التوراة، كتاب الأشعياء، باب13، الآية 20وكتاب الأرمياء، باب3، الآية2.
[17]. راجع سورة التوبة، الآيات، 90، 97، 98، 99، 101، 120؛ الأحزاب الآية20؛ الفتح الآية11، 16والحجرات الآية 14.
[18].التوراة، سِفر الظهور، الباب 10، الآية 26.
[19]. ابن هشام، القسم الأوّل، ص7؛ محمد بن جرير الطبري، تاريخ الرسل والملوك، الجزء الأوّل، ص141، ابن دريد، الاشتقاق، الجزء الثاني، ص361.
[20].أبو عبيدة معمر بن المثنّى، أيام العرب قبل الإسلام، حقّقه عادل جاسم البياتي، الجزءالثاني، ص29؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، الجزءالأوّل، ص310.
[21]. مروج الذهب للمسعودي: 2/72.
[22]. كميت بن زيد الأسدي، الهاشميات فسرها، أبو رياش أحمد بن إبراهيم، تحقيق داودسَلّوم ونوري الحمودي، ص300.
ولكميت قصيدة اُخرى تسمّى (المُذَهَّبة) ذم فيها كل القبائل اليمنية في حدود ثلاثمائة بيت وذكر فيها عن فضائل ومناقب أهل العصمة.
وعندما علم خالد بن عبدالله بأشعار هذا الشاعر أمر بوضعهِ في السجن.
فهرب من السجن بمساعدة زوجتهِ حتى عفا عنه هشام بن عبدالملك.
وقُتِلَ في عام 126هجرية على يد جيش يوسف بن عمر الثقفي (الموالين لخالد). (ر.ك ابن أعثم، الفتوح، المجلدالرابع، ص295؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، المجلدالرابع ص282، ؛ ابن خلّكان، وفيات الأعيان، المجلد الخامس، ص220؛ عبدالقادر بن عمر البغدادي، خزانة الأدب، المجلد الثالث، ص179).
والجدير بالذكر أنّ رأي المسعودي حيث يعلم أنّ كُميت العامل المتشدد على التعصب القبلي، وليس مستحسن أنّه كان العامل على توسع التعصب في الحكم الاُموي. (المسعودي، مروج الذهب، المجلدالثالث، ص244).
[23]. دعبل بن علي، الديوان، حقّقه محمديوسف نجم، ص148، القصيدة 204.
[24]. تاريخ الأدب العربي في العصر الجاهلي لشوقي الضيف، ترجمة علي رضا ذكاوتي قراجزلو، ص63.
[25]. المعلقات السبع، ترجمة عبدالمحمد آيتي، ص84.
[26]. عمرو بن كلثوم، الديوان تحقيق أميل بديع يعقوب: 75و88.
[27].اليعقوبي، التاريخ، المجلدالأوّل: 248.
[28]. المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام لجوادعلي: 1/493.
التسميات
تاريخ اليمن