إسلام قبيلة همدان.. انتشار الإسلام بين الهمدانيين يعود إلی دعوة الإمام علي بن أبي طالب إيّاهم للإسلام

قبيلة همدان:
کانت هذه القبيلة منذ زمن ملوك سبأ، وتمتد جذورها إلى مائة سنة قبل الميلاد، ولا زالت إلى الآن بعد واحدٍ وعشرين قرناً، وقد أدت دوراً كبيراً في رسم سياسة اليمن، وتعتبر قبيلة همدان من قبائل اليمن الكبيرة، وقد كانت في منافسة مستمرة مع ملوك سبأ حتى نجحت في أخذ الحكم منهم، وتعتبر(يرم أيمن) من عوائل همدان، حيث وصل أربعة رجال من هذه العائلة إلى الحكم، وكان أحدهم (شعرم أوتر) الذي حكم نحو خمسين عاماً قبل الميلاد([1]), وتعتبر (بَتَع) من أُسر(حاشد) همدان الكبيرة، وكان لها نفوذ واسع([2]).

ويذكر «فيلبّي»: «أنّه من عام (115) الى (245)ميلادي حكم منهم اثنا عشر رجلاً على سبأ وذي ريدان»([3]).

ويذكر الهمداني أنّ أحد أقيال همدان هو(علهن نهفن ابن يرم أيمن)([4]).
ويكتب الهمداني هذا الاسم لشخصين: (كتب على بعض أحجار قصور حمير وهمدان في صنعاء وناعط وعمران وبخط مسند: إنّ علهان ونهفان من آل بتع بن همدان الذين كانوا من الملوك القدماء)([5]).

لم يكونوا ملوكاً ولا يليق هذا اللقب بهم، بل كانوا أقيال وحكّام مناطق صغيرة مختلفة ورؤساء قبائل، حيث كان يقال لهم: الملك في منطقة حكمهم.

ذكرالنسّابون أنّ نسب هذه القبيلة من نسل كهلان([6]). تُقسّم همدان إلى قسمين كبيرين: حاشد وبكيل، تتكون بكيل من فروع: أرحب وصهلان ومُرْهبة وشاكر([7])، وتتكون حاشد من فروع: يريم وحجور وفائش وقابض وشبام والجندع ويام والسبيع وخارف ووداعة الصائد ومرثد وبتع([8]).

كانت همدان في زمن ظهور الإسلام من القبائل القوية والحليفة مع حكّام فارس والأبناء، وقد استعانت مع متحالفيها والأبناء في الهجوم على مذحج في حرب (الرزم) في الجوف، وقد انهزمت مذحج في هذه الحرب هزيمة ساحقة وقُتِل بعض رؤسائها([9]).

كانت همدان مثل بقية القبائل البدوية والمهاجمة في جدال وشجار طويل مع مراد([10])وزُبيد([11]) وخولان وقضاعة([12]). وقد ذكر الهمداني أبيات شعرية بخصوص العلاقة السيئة بين مراد وهمدان([13]) .

ولكن ومع وجود حالة العداء بين مذحج وهمدان إلاّ أنه أحياناً توجد مصاهرة وزواج بين عمرو بن معدي كرب الزُبيدي وأجدع بن مالك فارس همدان([14]).

وفي بعض الأحيان تعقد مذحج مع همدان معاهدة ضد بعض القبائل اليمنية؛ إذ كانت همدان في شجار مع قبائل القيسي([15]).

وقد اتحدت في إحدی المرّات همدان ومذحج وكِنْدة ضد بني تميم، وقد ألحق بنوتميم هزيمة ساحقة بالقبائل اليمنية في حرب كُلاب الثانية ([16]).

تعدّ همدان صاحبة النفوذ السياسي والعسكري في اليمن، وقد حكمت اليمن من سنة (492هـ) حتى سنة (569 هـ)، إلى أن قضى عليها الأيوبيون([17]).
ولاتزال همدان تتمتع بالقوة إلى زماننا الحاضر، ورئيس جمهورية اليمن الحالي من فرع «سنحان» من حاشد.

الجدير بالذكر أنّه على الرغم من النفوذ القوي لقبيلة همدان في اليمن إلّا أنّ هنالك نزاعاً دائماً بين فروعها بكيل وحاشد.

لقد کانت القبائل تفتخر بالتحالف مع قبيلة همدان والحروب الطويلة معها. وفي الوقت الحاضر فإنّ شيخ مشايخ حاشد هو عبدالله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النوّاب اليمني (ورئيس حزب التجمّع اليمني للإصلاح) ومن الموالين لعلي عبدالله صالح رئيس جمهورية اليمن الحالي. ينتمي الأحمر إلى المذهب الزيدي، ولكن لديه ميول إلى المذهب الوهابي السعودي([18]).

وشيخ قبيلة بكيل هو أبو الحرم، من الموالين لعلي سالم البيض رئيس جمهورية اليمن الجنوبية([19]) سابقاً.

ويمكن القول: بأنّ النزاع بين اليمنيين کان نتيجة النزاعات السياسية بين هاتين القبيلتين، في الوقت الذي لا يزال فيه المجتمع اليمني متأثراً بالتعصبات القبلية([20]).

ذكر الرئيس اليمني في حوار له مع مجلة إسبوعية يمنية تحت رقم 347 الصادرة في أوّل اُكتوبر عام (1986م)، فقال: «إنّ الحكومة قسم من القبائل، وأهل اليمن مجموعة من القبائل»([21]).

وفي تجمّعٍ لمشايخ وشخصيات اليمن في العاصمة صنعاء وعلى هامش الحروب والنزاعات الداخلية، ومن أجل إنهاء ذلك أصدروا بياناً موجّهاً للشعب اليمني([22]).

وهذا إن دل علی شيءٍ فإنّما يدلّ على سعة النفوذ القبائلي في داخل الحكومة اليمنية على المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي.

كان مقرّ همدان في القسم الواسع من شمال صنعاء حتى صعدة([23])، وقُسّمت مخاليف نجران بين بني الحارث بن كعب ومذحج وهمدان([24]).

كانت هذه القبيلة مجاورة لخولان صاحب مدينة صعدة([25])، فكانت مدن همدان عبارة عن: بون وعُمران والجوف وخَمر وحَجُور ورَيْدَة([26]) وقرية حاز الكبيرة، وكانت فيها آثار قديمة قبل الإسلام([27])، وكان من قصور همدان المشهورة (ناعط وعمران)([28]).

تقسّم أرض همدان بشكل عام بين صنعاء وصعدة إلى قسمين: القسم الشرقي منها بكيل، والقسم الغربي منها حاشد([29]).

وكانت أسواق بكيل تشمل: وَرْوَر والغُرَق ورَيْدَة([30])، وأسواق حاشد تحتوي­علی: هَمَلَ ـ أقدمها ـ ثم صافر وفاعقة والأهنوم والظهر وقطابة والعَرِقة وعَيّان ولعيّان وأدْران وحَجَّة ونمل وقيلاب شرس وحملان ويَنْد([31]).

إسلام قبيلة همدان:
جاءت مجموعة من كبارهمدان بعد غزوة تبوك في عام الوفود إلى المدينة، وهم: مالك بن نمط وأبو ثور ومالك بن أيْفَع وضِمام بن مالك وعميرة بن مالك، أقبلوا على رسول الله (ص) وعليهم الملابس اليمنية الفاخرة، فقال مالك بن نمط: (نصية من همدان، من كل حاضرٍ وبادٍ، أتوك على قُلصٍ نواج([32]) متصلة بحبائل الإسلام، لا تأخذهم في الله لومة لائم من مخلاف خارف ويام وشاكر، أهل السود والقود، أجابوا دعوة الرسول، وفارقوا الالمات الأنصاب، عهدهم لا ينقض([33])، ما أقامت لعلع، وما جری اليعفور بصُلّع»([34])، فقال رسول الله (ص): «نِعمَ الحيّ همدان، ما أسرعها إلى النصر وأصبرها على الجهد! ومنهم أبدال وأوتاد الإسلام فأسلموا»([35]). فكتب لهم رسول الله (ص) أمراً وترك لهم بلادهم يدورونها([36]).

يذكر الطبري: «إنّ انتشار الإسلام بين الهمدانيين يعود إلی دعوة الإمام علي بن أبي طالب (ض) إيّاهم للإسلام»، وينقل: «بعث رسول الله (ص) خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام، فكنتُ فيمن معه فأقام عليه ستة أشهر لا يجيبونه إلى شيء، فبعث علي بن أبي طالب (ض) وأمره أن يقفل خالداً ومن معه، فإن أراد أحد من كان مع خالد بن الوليد أن يعقب معه تركه، قال البراء: فكنت فيمن عقب معه، فلما انتهينا إلى أوائل اليمن بلغ الخبر، فجُمعوا له فصلّى بنا الفجر، فلمّا فرّغ صفّنا صفاً وحدا،ً ثم تقدم بين أيدينا فحمد الله وأثنی عليه، ثم قرأ عليهم كتاب رسول الله (ص)، فأسلمت همدان كلّها في يوم واحد، فكتب بذلك إلى رسول الله (ص)، فلمّا قرأ كتابه خرّ ساجدا،ً ثم جلس فقال: السلام على همدان، السلام على همدان، ثم تتابع أهل اليمن على الإسلام»([37]).

إنّ تكريم الرسول (ص) للهمدانيين إنّما يدلّ على اهتمام الرسول’ بهذه القبيلة.

[1]. جواد علي، المفصل في تاريخ العرب، المجلد الأوّل، ص 369.
[2]. المصدر السابق، ص407.
[3]. المصدر السابق، 488.
[4]. المصدر السابق، ص365.
[5]. حسن ين أحمد الهمداني، الإكليل، الجزءالعاشر، ص36.
[6]. الإكليل، الجزءالعاشر، ص33؛ أبوقاسم بن سلام، كتاب النسب، ص334؛ تاريخ اليعقوبي، المجلدالأوّل، ص247، هشام بن محمد الكلبي، جمهرة النسب، الجزءالثاني، ص238.
[7]. ابوعبيد قاسم بن سلام، كتاب النسب، ص337؛ ابن حزم، جمهرة أنساب العرب، الجزءالثاني، ص476؛ هشام بن محمد الكلبي، جمهرة النسب، الجزءالثاني، ص252.
[8]. هشام بن محمد الكلبي، جمهرة النسب، ص228؛الهمداني، الإكليل، الجزءالعاشر، ص46.
[9]. Abd al – muhsin madaj m al madaj, op, cit, p8.
[10]. ابن هشام، السيرة النبوية، القسم الثاني، ص581؛ محمد بن جريرالطبري، تاريخ الطبري، الجزءالأوّل، ص391.
[11]. حسن بن أحمد الهمداني، الإكليل، الجزالعاشر، ص150.
[12]. المصدر السابق، ص108و124.
[13]. المصدر السابق، ص144.
[14]. عبدالرحمن عبدالواحد الشجاع، اليمن في صدر الإسلام، ص37.
[15]. حسن بن أحمد الهمداني، الإكليل، الجزءالعاشر، ص183.
[16]. أبوعبيدة معمّر بن المثنّي، أيام العرب قبل الإسلام، الجزءالثاني، ص71.
[17]. استانلي لين بول، طبقات سلاطين الإسلام، ترجمة عباس إقبال، ص84.
[18]. داود كريملو، جمهورية اليمن، ص25و235و256.
[19]. المصدر السابق، ص25.
[20]. أصول الأزمة الدموية في اليمن، غضب (حدة الكرات) كيهان، رقم 15083، ص14 و25خرداد 1373.
[21]. Paul dresh, op, cit, p.7.
[22]. داود كريملو، جمهورية اليمن، ص219.
[23]. حسن بن أحمد الهمداني، صفة جزيرة العرب، ص217.
[24]. عبدالرحمن عبدالواحد الشجاع، اليمن في صدر الإسلام، ص56.
[25]. حسن بن أحمد الهمداني، صفة جزيرة العرب، ص217.
[26]. المصدر السابق، ص217و224.
[27]. المصدر السابق، ص213.
[28]. حسن بن أحمد الهمداني، الإكليل، الجزء العاشر، ص36.
[29]. حسن بن أحمد الهمداني، صفة جزيرة العرب، ص217.
[30]. المصدر السابق، ص219.
[31]. المصدر السابق، ص224 وانظر الخارطة رقم 5.
[32]. قلص نواج: أي مسرعات . النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير، المجلد الخامس، ص25.
[33]. العنقفير : الداهية ، الفائق في غريب الحديث: 3/399.
[34]. ابن هشام، السيرة النبوية، القسم الثاني، ص597.
[35]. ابن سعد، الطبقات الكبرى، المجلدالأوّل، ص341.
[36]. المصدر السابق، ص341؛ أحمد بن عبدالله الرازي، تاريخ مدينة صنعاء، ص495.
[37]. تاريخ الطبري: 2/389.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال