تشابهُ الأطرافِ [1]:
- تشابهُ الأطرافِ قسمان معنويٌّ ولفظيٌّ.
فالمعنويُّ: هو أنْ يختمَ المتكلِّمُ كلامَه بما يناسبُ ابتداءَه في المعنَى، كقوله تعالى[2]: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (103) سورة الأنعام.
فإنَّ اللطفَ يناسبُ ما لا يدركُ بالبصرِ، والخبرةَ تناسبُ منْ يُدركُ شيئاً فإنَّ مَنْ يدركُ شيئاً يكونُ خبيراً بهِ.
وقوله تعالى {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (64) سورة الحـج.
قال الغنيُّ الحميدُ لينبِّهَ على أنَّ مالهُ ليسَ لحاجةٍ، بل هو غنيٌّ عنهُ جوادٌ بهِ، فإذا جادَ بهِ حمدَه المنعَمُ عليهِ، ومنْ خفي ِّهذا الضربِ قولُه تعالى على لسان عيسى بن مريم عليه السلام: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (118) سورة المائدة، فإن قوله: "وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ" يوهمٌ أنَّ الفاصلةَ الغفورُ الرحيمُ، ولكنْ إذا أنعمَ الإنسان ُالنظرَ علِم ُأنه يجب ُأنْ تكوَ ُما عليهِ التلاوة ُ، لأنه لا يغفرُ لمن يستحقُّ العذابَ إلا من ليسَ فوقَهُ أحدٌ يردُّ عليه حكمَه، فهو العزيزُ لأنَّ العزيزَ في صفاتِ اللهِ هو الغالبُ منْ قولهِم: عزَّهُ يُعزُّهُ عزًّا إذا غلبَه، ومنه المثلُ منْ عزيزٍ أيْ منْ غلبَ سلبَ، ووجبَ أنْ يوصفَ بالحكيمِ أيضاً، لأنَّ الحكيمَ منْ يضعُ الشيءَ في محلِّه، واللهُ تعالى كذلكَ، إلا أنهُ قدْ يخفَى وجهُ الحكمةِ في بعضِ أفعالهِ فيتوهَّمُ الضعفاءُ أنه خارجٌ عن الحكمةِ، فكانَ في الوصفِ بالحكيمِ احتراسٌ حسنٌ، أيْ وإنْ تغفرَ لهم معَ استحقاقهِمُ العذابَ فلا معترضَ عليكَ لأحدٍ في ذلكَ، والحكمةُ فيما فعلتَهُ.
وكقول الشاعر[3]:
ألذُّ من السحرِ الحلالِ حديثُهُ -- وأعذبُ منْ ماءِ الغمامةِ ريقُهُ
فالريقُ: يناسبُ اللذةَ في أولِ البيت.
واللفظيُّ نوعانِ:
- الأولُ: أنْ ينظرَ الناظمُ أو الناثرُ إلى لفظةٍ وقعتْ في آخرِ المصراعِ الأولِ أو الجملةِ، فيبدأُ لها المصراعَ الثاني، أو الجملةَ التاليةَ، كقوله تعالى:{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (35) سورة النــور. فقد كرر المصباح والزجاجة.
وكقول أبي تمام [4]:
هَوًى كانَ خِلساً، إنَّ من أحسن الهوَى ... هوًى جُلْتُ في أفنائه وهوَ خاملُ
- الثاني: أنْ يعيدَ الناظمُ لفظةَ القافيةِ منْ كلِّ بيتٍ في أول البيتِ الذي يليهِ، كقول الشاعر[5]:
رَمَتْنِي وسِتْرُ اللَّه بيني وبينَها -- عشِيَّةَ آرامِ الكِناسِ رميمُ
رميمُ التي قالتْ لجاراتِ بيتِها -- ضمِنْتُ لكم ألاّ يزالَ يهيمُ
وقال ابن أبي الأصبع [6]:
خليليَّ إنْ لم تعذراني في الهوَى -- ولم تحملا عني اذهبا ودَعاني
دعاني إليهِ الحبُّ فالحبُّ آنفاً -- دعاني قلبي إذ دعاهُ جِناني
جنانيَ في سكرٍ فلا رعَى عندهُ -- بكأسٍ بها ساقي الغرامِ سَقاني
سقانيَ منْ لم يعنِه منْ صبابتي -- ووجدي بهِ ما شفَّني وعناني
عنانيَ منهُ ما براني ولم يكنْ -- ليرثي لما قدْ حلَّ بي ودهاني
دهانيَ الهوَى منْ حيثُ لم أدرِ عندما -- رأى ما شَجى قلبي الكئيبَ عياني
عياني على قلبي تعدَّى بنظرةٍ -- إلى ناظرٍ باللحظِ منه رماني
رماني بسهمٍ منْ كنانةِ لحظهِ -- أصابَ فؤادي شجوُه فشجاني
[1]- تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر - (ج 1 / ص 113) ونهاية الأرب في فنون الأدب - (ج 2 / ص 320) والإيضاح في علوم البلاغة - (ج 1 / ص 112) وجواهر البلاغة للهاشمي - (ج 1 / ص 16).
[2]- الإيضاح في علوم البلاغة - (ج 1 / ص 112).
[3]- جواهر البلاغة للهاشمي - (ج 1 / ص 16).
[4]- شرح ديوان الحماسة - (ج 1 / ص 383) وتراجم شعراء موقع أدب - (ج 13 / ص 220) ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص - (ج 1 / ص 350).
[5]- المصون في الأدب - (ج 1 / ص 1) وزهر الآداب وثمر الألباب - (ج 1 / ص 89) ومحاضرات الأدباء - (ج 1 / ص 466) وسر الفصاحة - (ج 1 / ص 33) وشرح ديوان الحماسة - (ج 1 / ص 402) والبيان والتبيين - (ج 1 / ص 20) وأمالي القالي - (ج 1 / ص 262) وتاج العروس - (ج 1 / ص 4111) ولسان العرب - (ج 6 / ص 197).
[6]- تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر - (ج 1 / ص 113).
التسميات
علم البلاغة