تعريف الافتنان.. الجمع بين فنين مختلفينِ كالغزلِ والحماسةِ والمدحِ والهجاءِ والتعزية والتهنئة

تعريف الافتنان:
هو الجمعُ بين فنَّين مختلفينِ، كالغزلِ، والحماسةِ، والمدحِ، والهجاءِ والتعزيةِ والتهنئةِ، ومن ذلك في الكتاب العزيز قوله تعالى [1]: {قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (112) سورة الأنبياء، فإنَّ ظاهرَ اللفظ يوهمُ أنَّ لفظةَ بالحقِّ مستغنًى عنها، للعلمِ بأنَّ الله سبحانه لا يحكمُ إلا بالحقِّ، فإنه قد ثبتَ أنه موصوفُ بالعدلِ بالدليلِ العقليِّ، فعدلَ عن المساواةِ، وأتى بهذه الزيادةِ ليضمِّنَ الكلامَ ضرباً من المحاسنَ يسمَّى الافتنانَ، فإنَّ المرادَ تعجيلُ ما يستحقُّه الكفارُ من العذابِ، ولذلك حصلَ في الكلام افتنانٌ، وهو الجمعُ بينَ الأدبِ والهجاءِ، لأنَّ مَنْ يستحقَّ الدعاءَ عليهِ بالعقوبةِِ ملومٌ، والله أعلم.

 ونحو ذلك كما في التعزية التالية [2]:
«لما تُوُفِّيَ معاويةُ  رضي الله عنه  واستُخْلِف يزيدُ ابنه اجتمع الناسُ على بابه، ولم يقدروا على الجمع بين تهنئة وتعزية، حتَّى أتى عبدُ الله بن همام السُّلولي، فدخل عليه فقال: يا أمير المؤمنين، آجَرَك الله على الرزية، وبارك لك في العطية، وأعانك على الرعيَّة، فقد رُزئتَ عظيماً، وأُعْطِيتَ جسيماً، فاشْكُرِ اللّه على ما أُعطيت، واصبرْ له على ما رُزِيت؛ فقد فقدتَ خليفة الله، ومُنِحْتَ خِلافة الله؛ ففارقتَ جليلاً، وَوُهِبْتَ جزيلاً؛ إذْ قضى مُعاوِيةُ نَحْبه، فغفر اللّه ذَنْبَه؛ وولَيت الرياسة، فأُعطيت السياسة؛ فأوردك اللّه موارِدَ السرور، ووفقك لصالح الأمور» وأنشده: 
اصِبْرْ، يَزيدُ، فقد فارقْتَ ذا ثقة -- واشْكُرْ حِبَاء الذِي بالمُلْكِ أصْفاكا
لا رُزْءَ أَصبَح في الأقوام نَعْلَمه -- كما رُزِئتَ ولا عُقْبَى كعُقْباكا
أصْبحْتَ واليَ أمرِ الناسِ كلهم -- فأَنْتَ ترْعاهُمُ واللَّهُ يَرْعاكا

وكقول عنترة يخاطب عبلة [3]:
وَلَقَد ذَكَرْتُكِ والرّمَاحُ نَواهِلٌ -- مِنّي وبِيضُ الهندِ تَقْطُرُ من دَمي
فَوَدِدْتُ تَقبيلَ السّيُوفِ لأنّها -- لَمَعَتْ كَبَارِقِ ثَغْرِكِ المُتَبَسِّمِ

فأما ما افتنَّ فيه بالجمعِ بين النسيبِ والحماسةِ فكقول عنترة [4]:
إنْ تغدُ في دوني القناعِ فإنني -- طبٌّ بأخذِ الفارسِ المستلئِم

وكقول الشاعر [5]:
أُحِبُّكِ يا ظَلُومُ فأَنْتِ عِنْدي -- مكانَ الرُّوح من جسدِ الجبانِ
ولو أَني أقولُ مكانَ روحي -- خشيتُ عَليْكَ بادِرَة َ الطّعانِ
لإقدامي إذا ما الخيلُ حامتْ -- وهابَ كماتهُا حرَّ الطّعانِ

[1]- تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر - (ج 1 / ص 55).
[2]- العمدة في محاسن الشعر وآدابه - (ج 1 / ص 162) وزهر الآداب وثمر الألباب - (ج 1 / ص 22).

[3]- زهر الأكم في الأمثال و الحكم - (ج 1 / ص 177) وتزيين الأسواق في أخبار العشاق - (ج 1 / ص 174) وجمهرة أشعار العرب - (ج 1 / ص 50) وديوان عنترة بن شداد - (ج  / ص ) وتراجم شعراء موقع أدب - (ج 4 / ص 117) وكتاب الكليات ـ لأبى البقاء الكفومى - (ج 1 / ص 220).

[4]- تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر - (ج 1 / ص 130) - استلأم ( لبس اللأمة ) فهو مستلئم.
[5]- تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر - (ج 1 / ص 130)  ونهاية الأرب في فنون الأدب - (ج 1 / ص 473)  وتراجم شعراء موقع أدب - (ج 4 / ص 133).

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال