تشبيهٌ على غيرِ طرقهِ الأصليَّةِ:
أولاً- التشبيهُ الضمنيُّ[1]:
هو تشبيه ٌ لا يوضعُ فيه المشبَّهُ والمشبَّهُ به في صورةٍ من صورِ التشبيهِ المعروفةِ، بل يلمحُ المشبَّهُ والمشبَّهُ به، ويفهمانِ من المعنَى، ويكونُ المشبَّهُ به دائماً برهاناً على إمكانِ ما أُسندَ إلى المشبِّه، كقول المتنبي [2]:
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ + ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلامُ
أيْ أنَّ الذي اعتادَ الهوانَ، يسهلُ عليه تحمّلُه، ولا يتألمُ له، وليس هذا الادعاءُ باطلاً ،لأنَّ الميتَ إذا جرِحَ لا يتألمُ، وفي ذلك تلميحٌ بالتشبيهِ في غير صراحةٍ، وليس على صورةٍ من صورِ التشبيهِ المعروفة، بل إنه (تشابهٌ) يقتضي التَّساوي، وأمَّا (التشبيهُ) فيقتضي التفاوتَ.
وكقول أبي فراس الحمداني[3]:
سَيذْكُرني قَوْمي إِذا جدّ جِدُّهمْ + وفي اللَّيْلَة الظَّلْماءِ يٌفْتَقَدُ الْبَدْر
- بلاغةُ التشبيهِ الضمنيِّ:
- إنه دعوى مع البيِّنةِ والبرهانِ.
- إنه إبرازٌ لما يبدو غريباً ومستحيلاً.
- إنه جمعٌ بين أمرينِ متباعدينِ، وجنسينِ غيرِ متقاربينِ.
- إنهُ دلالةٌ على التشبيهِ بالإشارةِ والكنايةِ، لا بالوضوحِ والصراحةِ.
ثانياً- التشبيهُ المقلوبُ [4]:
التشبيهُ المقلوبُ هو جعلُ المشبَّهِ مشبَّهاً به بادِّعاءِ أِنَّ وجهَ الشبَّهِ فيه أَقوَى وأَظهرُ.
ويسمَّى ذلك بالتشبيهِ المقلوبِ أو المعكوسِ، نحو: كأنَّ ضوءَ النهارِ جبينُهُ، ونحو: كأنَّ نشرَ الروضِ حسنُ سيرتِه، ونحو: كأنَّ الماءَ في الصفاءِ طباعُهُ، وكقول محمد بن وهيب الحميري [5]:
وبَدَا الصَّباحُ كأنَّ غرَّتَهُ + وَجْهُ الخَليفةِ حِينَ يُمْتَدَحُ
شبَّهَ غرَّةَ الصباح بوجهِ الخليفةِ، إيهاماً أنهُ أتمُّ منها في وجهِ الشَّبهِ.
وكقول حافظ إبراهيم [6]:
أحِنُّ لَهُم ودُونَهُمُ فَلاةٌ + كأنَّ فَسِيحَها صدْرُ الحَليمِ
شُبِّهتِ الفلاةُ بصدرِ الحليمِ في الاتساعِ، وهذا أَيضاً تشبيهٌ مقلوبٌ.
وهذا التشبيهُ مظهرٌ من مظاهرِ الافتنانِ والإبداعِ، كقوله تعالى حكايةً عن الكفار: {قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا..} (275) سورة البقرة، في مقامِ أنَّ الرِّبا مثلُ البيعِ،عكسوا ذلك لإيهامِ أنَّ الرِّبا عندهمْ أحلُّ من البيعِ، لأنَّ الغرضَ الربحُ، وهو أثبتُ وجوداً في الرّبا منه في البيعِ، فيكونُ أحقَّ بالحلِّ على حدِّ زعمِهم.
[1]- جواهر البلاغة للهاشمي - (ج 1 / ص 12) والبلاغة الواضحة بتحقيقي - (ج 1 / ص 2).
[2]- شرح ديوان المتنبي - (ج 1 / ص 124) والبديع في نقد الشعر - (ج 1 / ص 65) والوساطة بين المتنبي وخصومه - (ج 1 / ص 48) وتراجم شعراء موقع أدب - (ج 49 / ص 108) ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص - (ج 1 / ص 377).
[3]- المدهش - (ج 1 / ص 71) والكشكول - (ج 1 / ص 247) والمستطرف في كل فن مستظرف - (ج 1 / ص 256) والبلاغة الواضحة بتحقيقي - (ج 1 / ص 2) وموسوعة النحو والإعراب - (ج 1 / ص 64) = جد جدهم: أي اشتد بهم الأمر وحل بهم الكرب، ويفتقد: يطلب عند غيبته.
[4]- الإيضاح في علوم البلاغة - (ج 1 / ص 77) وشرح ابن عقيل - (ج 1 / ص 233) ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص - (ج 1 / ص 149) وجواهر البلاغة للهاشمي - (ج 1 / ص 12) والبلاغة الواضحة بتحقيقي - (ج 1 / ص 3).
[5]- المصون في الأدب - (ج 1 / ص 19) وزهر الآداب وثمر الألباب - (ج 1 / ص 247) وسر الفصاحة - (ج 1 / ص 92) ونهاية الأرب في فنون الأدب - (ج 2 / ص 280) والأغاني - (ج 5 / ص 125) والإيضاح في علوم البلاغة - (ج 1 / ص 77).
[6]- تراجم شعراء موقع أدب - (ج 8 / ص 184) والبلاغة الواضحة بتحقيقي - (ج 1 / ص 3).
التسميات
علم البلاغة