رواة متخصصون عابثون:
وقد عمد مجموعة من الرواة إلى نحل الشعر قاصدين، ومن هؤلاء حماد الراوية وخلف الأحمر.
أما حماد الراوية فهناك تأكيد على علمه بالشعر وبكلام العرب، إذ يقول الهيثم بن عَدي: (ما رأيت رجلاً أعلم بكلام العرب من حماد).
ويؤكد ذلك الأصمعي، ولكنه يتحرز من وضعه ونحله الشعر على الشعراء يقول: كان حمّاد أعلم الناس إذا نصح يعني إذا لم يزد وينقص في الأشعار والأخبار فإنه كان متهما لأنه يقول الشعر وينحله شعراء العرب).
ويؤكد ابن سلام الجمحي أنَّ حماداً الراوية غير موثوق به، وكان ينحل شعر الرجل غيره، وينحله غير شعره، ويزيد في الأشعار، وكان يونس يقول: العجب لمن يأخذ عن حماد، وكان يكذب، ويلحن، ويكسر.
إنَّ خطورة حماد الراوية أنه كان شاعراً، وكان عالماً بالشعر ومذاهبه، فينحل الشعراء قصائد ينظمها على طرائقهم في النظم ومذاهبهم في الإبداع.
ولذلك حمل المفضل الضبي عليه حملة شعواء، قال: (قد سلط على الشعر من حماد الراوية ما أفسده فلا يصلح أبداً، فقيل له: وكيف ذلك؟ أيخطئ في رواية أم يلحن؟ قال ليته كان كذلك، فإنَّ أهل العلم يردون من أخطأ إلى الصواب، ولكنه رجل عالم بلغات العرب وأشعارها ومذاهب الشعراء ومعانيها، فلا يزال يقول الشعر يشبه به مذهب رجل ويدخله في شعره ويحمل ذلك عنه في الآفاق فتختلط أشعار القدماء ولا يتميز الصحيح منها إلا عند عالم ناقد وأين ذلك).
وإذا كان المفضل الضبي متشائماً في شأن حماد الراوية وأضرابه لأنهم أفسدوا الشعر فلا يصلح أبداً، فإنَّ ابن سلام الجمحي يرجع ذلك إلى أهل العلم، ويرى أنهم قادرون على تمييز الصحيح من الزائف، وللعلماء رأيهم في ذلك، فإذا أجمعوا على إبطال شيء من الشعر فليس أمام أحد إلا أن يقبل هذا، ولا يخرج عنه ويؤكد أنه ليس يشـكل عـلى أهل العلم زيادة الرواة ولاما وضع المولدون.
ويدخل في هذا السياق ما يزيده أبناء الشعراء في أشعار آبائهم، وكيف يكشف العالم صحيحه مـن زائفه، إذ يروي ابن سلام عن أبي عبيدة أنَّ داود بن متمم قدم البصرة... فسألناه عن شعر أبيه متمم، وقمنا له بحاجته، وكفيناه ضيعته، فلما نفد شعر أبيه، جعل يزيد في الأشعار، ويضعها لنا، وإذا كلام دون كلام متمم، وإذا هو يحتذي على كلامه، فيذكر المواضع التي ذكرها متمم، والـوقائع التي شهـدها، فلما توالى ذلك علمنا أنه يفتعله.
التسميات
أدب عربي