تعريف نفي الشيء بإيجابه.. أن يثبت المتكلم شيئا في ظاهرِ كلامه وينفي ما هو من سببه مجازا والمنفي في باطنِ الكلام حقيقة هو الذي أثبته

نفيُ الشيءِ بإيجابهِ [1]:
- تعريفُه:
هو أنْ يثبتَ المتكلِّم شيئاً في ظاهرِ كلامهِ وينفيَ ما هو منْ سببه ِمجازاً، والمنفيُّ في باطنِ الكلامِ حقيقة ٌهو الذي أثبتهُ، نحو قوله تعالى: {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} (37) سورة النــور. فإنَّ نفيَ إلهاءِ التجارةِ منهُم، إثباتهاً لهم، والمرادُ نفيُها أيضاً. فإذا تأملتَه وجدتَ باطنَهُ نفياً، وظاهرَه إيجاباً.

وكقول الشاعر للخليفةِ [2]:
لم يُشغَلَنْكَ عنِ الجهادِ مكاسبٌ -- ترجو ولا لهوٌ ولا أولادُ
فإنه يوهمُ إشغالَ المكسبِ له في الجملةِ - كما في الأولادِ - مع أنهُ لا  كسبَ للخليفةِ.

و قال امرؤ القيس  [3]:
علَى  لاَحِبٍ لا يُهْتَدَي بِمَنَارِهِ -- إِذَا سَافَهُ الْعَوْدُ الدِّيَافِىُّ جَرْجَرَا
فقوله " لا يهتدي  بمنارهِ " لم يردْ أنَّ له مناراً لا يهتدَى به، ولكنْ أرادَ أنهُ لا منارَ له فيهتدَى بذلكِ المنارِ.

وكذلك قولُ زهير [4]:
بأرضِ فَلاةٍ لا يُسَدّ وَصِيدُهَا -- عليّ، ومَعروفي بها غيرُ مُنكَرِ[5]
فأثبتَ لها في اللفظِ وصيداً، وإنما أرادَ ليسَ لها وصيدٌ فيسدُّ عليَّ.

[1]- العمدة في محاسن الشعر وآدابه - (ج 1 / ص 136) وتحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر - (ج 1 / ص 74) ونهاية الأرب في فنون الأدب - (ج 2 / ص 315) وجواهر البلاغة للهاشمي - (ج 1 / ص 16) وعلم البلاغة الشيرازي - (ج 1 / ص 6).
[2]- علم البلاغة الشيرازي - (ج 1 / ص 6).

[3]- زهر الأكم في الأمثال و الحكم - (ج 1 / ص 274) والعمدة في محاسن الشعر وآدابه - (ج 1 / ص 136) وتحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر - (ج 1 / ص 75) وخزانة الأدب - (ج 4 / ص 6) ونهاية الأرب في فنون الأدب - (ج 2 / ص 315) وتراجم شعراء موقع أدب - (ج 10 / ص 384) وتاج العروس - (ج 1 / ص 5927) ولسان العرب - (ج 9 / ص 164) وأساس البلاغة - (ج 1 / ص 231).

وظاهر هذا الكلام يقتضي إثباتَ منارٍ لهذه الطريق، ونفي الهداية به مجازاً، وباطنه في الحقيقة يقتضي نفي المنار جملةً، وتقديرُ المعنى أن هذه الطريقَ لو كان لها منارٌ لكان لا يهدي به، فيكفف لا منار لها، كما تقول لمن تريد أن تسلبه الخير: ما أقلَّ خيرك، فظاهر كلامِك يدلُّ على إثباتِ خيرٍ قليل، وباطنه نفيُ الخيرِ كثيرهِ وقليلهِ.

[4]- العمدة في محاسن الشعر وآدابه - (ج 1 / ص 136) وجمهرة أشعار العرب - (ج 1 / ص 2) وحياة الحيوان الكبرى - (ج 2 / ص 142) ونهاية الأرب في فنون الأدب - (ج 4 / ص 290).

[5]- (الوصيد) النبات المتقارب الأصول وبيت كالحظيرة من الحجارة في الجبال للغنم وغيرها وفناء الدار والبيت وفي التنزيل العزيز (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) وعتبة الباب (ج) وصد ووصائد.

( الوصيدة ) بيت كالحظيرة من الحجارة في الجبال للغنم وغيرها ( ج ) وصائد. المعجم الوسيط - (ج 2 / ص 996).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال