تعريف التفريع.. أن يثبت حكم لمتعلق أمر بعد إثباته لمتعلق له آخر

التفريعُ [1]:
- تعريفُه: هو أنْ يثبتَ حكمٌ لمتعلَّقِ أمرٍ، بعد إثباتهِ لمتعلَّقٍ له آخرَ، كقول الشاعر[2]:
فاضتْ يداهُ بالنضَارِ كما -- فاضتْ ظباهُ في الوغَى بدمي

 وكقول الشاعر [3]:
أَحْلامُكُمْ لِسَقَامِ الجَهْل شَافِيَةٌ -- كما دِماؤُكُمُ يُشْفَى بها الكَلَبُ

 وقال بعض علماء البلاغة: التفريع نوعان:
- أحدُهما:
أن يبدأ الشاعرَ بلفظةٍ هي إمَّا اسمٌ، وإمَّا صفةٌ، ثم يكررُها في البيتِ مضافةً إلى أسماءَ وصفاتٍ يتفرعُ من جملتها أنواعٌ من المعاني في المدحِ وغيره.

كقول أبي الطيب المتنبي  [4]:
أنَا ابنُ اللّقاءِ أنَا ابنُ السَّخاءِ -- أنا ابنُ الضِّرابِ أنا ابنُ الطِّعانِ
أنَا ابنُ الفَيافي أنَا ابنُ القَوافي -- أنَا ابنُ السُّروجِ أنَا ابنُ الرِّعانِ
طَويلُ النِّجادِ طَوِيلُ العِمادِ -- طَويلُ القَناةِ طَويلُ السِّنانِ
حَديدُ اللّحاظِ حَديدُ الحِفاظِ -- حَديدُ الحُسامِ حَديدُ الجَنَانِ
يُسابِقُ سَيْفي مَنَايَا العِبادِ -- إلَيْهِمْ كأنّهُمَا في رِهَانِ

قال  ابن أبي الأصبع  [5]: وهذا النوعُ لم أسبقْ إلى استخراجهِ، وإنما لم أثبتُّه فيما ابتكرتهُ من الأبوابِ لكونه نوعاً من التفريعِ، فالذي يجبُ أن يسمَّى به تفريعَ الجمعِ، لأنَّ كلَّ بيتٍ ينطوي على فروعٍ من المعاني شتَّى من المدحِ تفرعتْ من أصلٍ واحدٍ.

- والنوعُ الآخر ُمن التفريعِ:
وهو الذي تقدَّمني الناسُ باستخراجه وتسميتِه، إنما يتفرّعُ منه معنًى واحدٌ من أصلٍ واحدٍ، إمَّا في بيتٍ أو أبياتٍ، وإمَّا في جملةٍ من الكلامِ أو جُملٍ، وهو أنْ يصدرَ الشاعرُ أو المتكلَّمُ كلامَه باسمٍ منفيٍّ بما خاصةً، ثم يصفُ الاسمَ المنفيَّ بمعظمِ أو صافهِ اللائقة ِبه، إمَّا في الحسْنِ أو القبحِ، ثم يجعلهُ أصلاً يفرِّعُ منه معنًى في جملةٍ من جارٍ ومجرورٍ متعلقةٍ به تعلقَ مدحٍ أو هجاءٍ أو فخرٍ أو نسيبٍ أو غيرِ ذلك، يُفهَمُ منْ ذلك مساواةُ المذكورِ بالاسمِ المنفيِّ الموصوفِ، كقول الأعشى [6]:

ما روْضَةٌ من رِياضِ الحزْنِ مُعْشِبَةٌ -- خَضْرَاءُ جَادَ عليها مسْبِلٌ هَطِلُ
يُضاحِكُ الشَّمْسَ منها كَوْكَبٌ شَرِقٌ -- مَؤّزَّرٌ بَعمِيمِ النَّبْتِ مُكْتَهِلُ
يَوْماً بأَطْيَبَ منها نَشْر رائحِة -- ولا بأَحْسَنَ منها إِذْ دَنَا الأُصُلُ

وقد سمَّى بعضُ المتأخرينَ هذا القسمَ من التفريعِ النفيَ والجحودَ لتقدمِ حرفِ النفي على جملتهِ. وأكثرُ ما يقعُ الأصلُ في بيتٍ والتفريعُ منهُ في بيتٍ آخرَ ، إمَّا قريباً منه، وإمَّا بعيداً عنه، وقد يقعُ منهُ ما يكونُ الأصلُ والفرعُ معاً في بيتٍ واحدٍ كقول أبي تمام [7]:
ما ربعُ ميَّة ََ معموراً يطيفُ بهِ -- غَيْلاَنُ أَبْهَى رُبى ً مِنْ رَبْعِهَا الخَرِبِ
ولا الْخُدُودُ وقدْ أُدْمينَ مِنْ خجَلٍ -- أَشهى إلى ناظِري مِنْ خَدها التَّرِبِ
ومنَ التفريعِ نوعٌ غيرُ النوعين الأولين: وهو تفريعُ معنًى منْ معنًى من غيرِ تقدُّم نفيٍّ ولا جحودٍ .

كقول ابن المعتزِّ [8]:
كلامُه أخدعُ منْ لحظهِ -- ووَعدُهُ أكذبُ من طيفهِ
فبينا هو يصفُ خدعَ كلامهِ فرَّع خدعَ لحظهِ، وبينا هو يصفُ كذبَ وعدهِ فرَّعَ كذبَ طيفهِ
وهو مختصٌّ بمعاني النفسِ دونَ معاني البديعِ، والله أعلم.

[1]- العمدة في محاسن الشعر وآدابه - (ج 1 / ص 123)  وتحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر - (ج 1 / ص 73)  ونهاية الأرب في فنون الأدب - (ج 2 / ص 314) والإيضاح في علوم البلاغة - (ج 1 / ص 118)  ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص - (ج 1 / ص 275) وكتاب الكليات ـ لأبى البقاء الكفومى - (ج 1 / ص 1605) وجواهر البلاغة للهاشمي - (ج 1 / ص 16).

[2]- جواهر البلاغة للهاشمي - (ج 1 / ص 16).
[3]- زهر الأكم في الأمثال و الحكم - (ج 1 / ص 69)  والعمدة في محاسن الشعر وآدابه - (ج 1 / ص 123).

تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر - (ج 1 / ص 21)  وحياة الحيوان الكبرى - (ج 1 / ص 38)  والحيوان - (ج 1 / ص 463)  وتاج العروس - (ج 1 / ص 920)  ولسان العرب - (ج 1 / ص 721)  والإيضاح في علوم البلاغة - (ج 1 / ص 118)  ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص - (ج 1 / ص 275).

[4]- شرح ديوان المتنبي - (ج 1 / ص 25)  وتحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر - (ج 1 / ص 74) ونهاية الأرب في فنون الأدب - (ج 2 / ص 315)  وتراجم شعراء موقع أدب - (ج 49 / ص 129).
[5]- تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر - (ج 1 / ص 74).

[6]- تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر - (ج 1 / ص 74) والشعر والشعراء - (ج 1 / ص 50) ونهاية الأرب في فنون الأدب - (ج 1 / ص 141)  ومعجم الأدباء - (ج 1 / ص 469)  والعقد الفريد - (ج 2 / ص 358) ولسان العرب - (ج 8 / ص 32)

[7]- تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر - (ج 1 / ص 74)  ونهاية الأرب في فنون الأدب - (ج 2 / ص 314) ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص - (ج 1 / ص 339)  وتراجم شعراء موقع أدب - (ج 13 / ص 173).

[8]- العمدة في محاسن الشعر وآدابه - (ج 1 / ص 123)  وتحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر - (ج 1 / ص 74) ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص - (ج 1 / ص 275).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال