تقسيمُ الاستعارة إلى تصريحية وإلى مكنية:
أولا- الاستعارةُ التصريحيةُ:
هي ما صُرَّحَ فيها بلَفظِ المشبَّه بهِ.
كقوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة/6])، والصراطُ الطريقُ، فقد شبَّه الدينَ بالصراطِ بجامعِ التوصيل إلى الهدفِ في كلٍّ منهما وحذفَ المشبَّه وهو الإسلامُ وأبقى المشبَّهَ بهِ .
وقوله تعالى :(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) [إبراهيم/1])، فقد شبَّه الكفرَ بالظلماتِ والإيمانَ بالنورِ وحذفَ المشبَّه وأبقى المشبَّهَ به.
وكقول المتنبي [1]:
ولم أرَ قبلي مَنْ مشَى البدرُ نحوهُ -- ولا رَجلاً قامتْ تعْانقُهُ الأسْدُ
فكلمتي البدرِ والأسدِ مشبَّهٌ به في الأصلِ، وحُذِفَ المشبَّهُ، فالبدرُ لا يمشي والأسدُ لا تعانق
وقال في مدح خط سيف الدولة [2]:
أمَا تَرَى ظَفَراً حُلْواً سِوَى ظَفَرٍ -- تَصافَحَتْ فيهِ بِيضُ الهِنْدِ وَاللِّممُ
فهذا البيت يحتوي على مجاز هو "تصافحت" الذي يراد منه تلاقَت، لعلاقة المشابهة والقرينةِ "بيضُ الهند واللمم".
وإذا تأملتَ كل مجاز سبق َرأيتَ أنه تضمَّن تشبيهاً حُذِف منه لفظ المشبَّه واستعير بدله لَفْظ المشبَّه به ليقومَ مقامه بادعاء أنَّ المشبه به هو عينُ المشبَّه، وهذا أبعدُ مدى في البلاغةِ، وأدخَل في المبالغة، ويسمَّى هذا المجاز استعارةً، ولما كان المشبَّهُ به مصرّحاً به في هذا المجاز سمّيَ استعارةً تصريحيةً.
ثانيا- الاستعارةُ المكنيَّةُ:
هي ما حُذِفَ فيها المشَبَّهَ بهِ ورُمِزَ لهُ بشيء مِنْ لوازمه.
كقوله تعالى: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) [الإسراء/24])، فقد شبَّه الذلَّ بالطائرِ، وحذف المشبَّه به ولكنْ رمزَ إليه بشيءٍ من لوازمهِ وهو الجناحُ، فلم يذكر من أركانِ التشبيه إلا الذلَّ وهو المشبَّهُ.
وكقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ»[3]، فقد شبَّه الإسلامَ بالبيتِ، ولكن حذف المشبَّهَ به وهو البيتُ وأبقى بعضاً من لوازمهِ الجوهريةِ وهو البناءُ.
وقال الحجَّاجُ بن يوسفَ في أول خطبة بأهل الكوفة [4]: "أني لأرَى رُؤوُساً قَدْ أيْنَعَتْ وحَانَ قِطافُها وإِنّي لَصَاحِبُهَا".
فإنَّ الذي يفهَمُ منه أَن يشبِّه الرؤوسَ بالثمراتِ، فأَصلُ الكلام إِني لأرى رؤوساً كالثمراتِ قد أينعتْ، ثم حذف المشبَّّه به فصار إني لأرى رؤوساً قد أينعتْ، على تخيُّلِ أن الرؤوسَ فد تمثلت في صورةِ ثمار، ورُمز للمشبَّه به المحذوف بشيء من لوازمهِ وهو أينعت، ولما كان المشبَّه به في هذه الاستعارةُ محْتجباً سميتِ استعارةً مكنيةً
وقال المتنبي [5]:
ولمّا قَلّتِ الإبْلُ امْتَطَيْنَا -- إلى ابنِ أبي سُلَيْمانَ الخُطُوبَا
أي لما أعوزتنا الإبلُ وفقدناها لقلةِ ذاتِ اليد أدتني المحنُ والشدائدُ إلى الممدوحِ، فكأنها كانتْ مطايا لنا.
[1]- الإيضاح في علوم البلاغة - (ج 1 / ص 97) ومفتاح العلوم - (ج 1 / ص 169) ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص - (ج 1 / ص 182).
[2]- شرح ديوان المتنبي - (ج 1 / ص 242) وتراجم شعراء موقع أدب - (ج 49 / ص 87) والبلاغة الواضحة بتحقيقي - (ج 1 / ص 4)- بيض الهند: السيوف، واللمم جمع لمة: وهي الشعر المجاور شحمة الأذن، والمراد بها هنا الرموس.يقول: لا ترى الانتصار لذيذاً إلا بعد معركة تتلاقى فيها السيوف بالرؤوس.
[3]- أخرجه البخاري برقم( 8) ومسلم برقم( 121).
[4]- زهر الأكم في الأمثال و الحكم - (ج 1 / ص 348) وحياة الحيوان الكبرى - (ج 1 / ص 162) وصبح الأعشى - (ج 1 / ص 89) والكامل في اللغة والأدب - (ج 1 / ص 101) وتاج العروس - (ج 1 / ص 5643) ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص - (ج 1 / ص 114) - - أينعت من أينع الثمر إذا أدرك ونضج، وحان قطافها: آن وقت قطعها، يريد أنه يصير بحال القوم من الشقاق والخلاف في بيعة أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان، فهو يحذرهم عاقبة ذلك.
[5]- شرح ديوان المتنبي - (ج 1 / ص 148) وتراجم شعراء موقع أدب - (ج 47 / ص 388) - - امتطينا: ركبنا، والخطوب: الأمور الشديدة، يقول: لما عزت الإِبل عليه لفقره حملته الخطوب على قصد هذا الممدوح فكانت له بمنزلة مطية يركبها.
التسميات
علم البلاغة