- تعريف أسلوب الحكيم:
هو أنْ تحدِّثَ المخاطَبَ بغيرِ ما يتوقعُ.
وهو ضربانِِ:
1- إمَّا أنْ نتجاهلَ سؤالَ المخاطَبِ، فنجيبُه عنْ سؤالٍ آخرَ لم يسألْه، مثاله قوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (189) سورة البقرة، فقد سألوا عن الهلال ما باله يبدو صغيرا فيكبرُ ثم يعودُ كما بدأ، فقد كان سؤالهُم عن السببِ، وكان الجوابُ عن الحكمةِ من تغيرِ الأهلَّة وهي مواقيتُ للناسِ والحجِّ.
وكقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (215) سورة البقرة، فقد سألوا النبيَّ عليه الصلاةُ والسلامُ عن حقيقةِ ما ينفقونَ من مالهم، فأجيبوا ببيانِ طرُق إنفاقِ المال: تنبيهاً على أنَّ هذا هو الأولى والأجدرُ بالسؤال عنه.
2- وإما أنْ نحملَ كلامَه على غيرِ ما كانَ يقصدُه ويريدُه، وفي هذا توجيهٌ للمخاطَبِ إلى ما ينبغي عليه أنْ يسألََ عنه أو يقصدَه من كلامهِ، كما في الحديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ». قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِى قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ »أخرجه مسلم[1]، .فقد حملَ صلى الله عليه وسلم المفلسَ على غير مقصودِ المجيبينَ، وهو المفلسُ من الحسناتِ، وليس المفلسَ من المال ، وذلك ليبينَ لهم أنَّ هذا الإفلاسَ أهمُّ بكثير من ذاك.
مثال آخر قول الشاعر [2]:
ولمَّا نَعَى الناعِي سأَلناه خشْيةً -- وللعيْن خوفُ البيْن تَسكابُ أمطارِ
أَجابَ قضى! قلنا قَضَى حاجةَ العُلاَ -- فقالَ مضَى! قلنا بكلِّ فَخارِ
فقد حملَ المخاطبُ كلمةَ (قضَى) على إنجازِ الحوائجِ وقضائِها، أمَّا المتكلِّمُ فقصدَ منه الموت، وكذلك قوله (مضَى) أرادَ المتكلِّم (ماتَ) وحملَها المخاطبُ على أنه ذهبَ بالفضلِ، ولم يدعْ لأحدٍ شيئاً.
و لمَّا توجه خالد بن الوليد رضي الله عنه لفتح الحيرةِ أتى إليه من قِبَل أهلها رجل ذو تجربة، فقال له خالد: فيم أنت؟ قال: في ثيابي فقال: علام أنت؟ فأجاب: على الأَرض؛ فقال: كم سِنُّك؟ قال: اثنتان وثلاثون، فقال أسأَلك عن شيءٍ وتجيبني بغيره؟ فقال: إِنما أَجبتُ عما سأَلتَ.[3]
ومثلهُ قيل لتاجرٍ: كمْ رأسُ مالكَ؟ فقال: إني أمينٌ، وثقةُ الناس بي عظيمةٌ.
وسئلَ أحدُ العمال: ما ادخرتَ منَ المالِ؟ فقال: لا شيءَ يعادلُ الصِّحَةَ.
[1]- برقم(6744)
[2]- جواهر البلاغة للهاشمي - (ج 1 / ص 16) والبلاغة الواضحة بتحقيقي - (ج 1 / ص 10).
- قضى من معانيها مات، وأدى، ومضى من معانيها مات؛ ومضى بكذا ذهب به واختص.
[3]- وزهر الأكم في الأمثال و الحكم - (ج 1 / ص 237) وغرر الخصائص الواضحة - (ج 1 / ص 110)والبيان والتبيين - (ج 1 / ص 166) ومجمع الأمثال - (ج 1 / ص 228) وجواهر البلاغة للهاشمي - (ج 1 / ص 16) والبلاغة الواضحة بتحقيقي - (ج 1 / ص 10) وتاريخ دمشق - (ج 37 / ص 364) وتاريخ الرسل والملوك - (ج 2 / ص 183) والبداية والنهاية لابن كثير مدقق - (ج 7 / ص 467).
التسميات
علم البلاغة