تعريف المجاز العقلي وعلاقاته.. الإسنادُ إلى الزمان أو المكان أو السبب أو المصدر

تعريف المجاز العقلي وعلاقاته [1]:
المجازُ العقليُّ: هو إسنادُ الفعلِ، أو ما في معناهُ من اسمِ فاعلٍ، أو اسمِ مفعولٍ أو مصدرٍ إلى غير ما هو له في الظاهرِ، من حال المتكلِّمِ، لعلاقةٍ مع قرينةٍ تمنعُ من أن يكونَ الإسنادُ إلى ما هوَ لهُ.

- المجازُ العقليُّ على قسمين:
- الأولُ: المجازُ في الإسنادِ، وهو إسنادُ الفعلِ أو ما في معنى الفعلِ إلى غير من هوَ لهُ، وهو على أقسام، أشهرها:

1- الإسنادُ إلى الزمانِ، نحو قول الشاعر [2]:
لا تحسبنَّ سروراً دائماً أبداً -- مَنْ سرَّهَ زمنٌ ساءتْهُ أزمان
أسندَ الإساءةَ والسرورَ إلى الزمنِ، وهو لم يفعلْهما، بل كانا واقعينِ فيه على سبيلِ المجازِ.

2- الإسنادُ إلى المكانِ، نحو قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ [الأنعام/6])، فقد أسندَ الجريَ إلى الأنهار، وهي أمكنةٌ للمياهِ، وليستْ جاريةً بل الجاري ماؤُها.

3- الإسنادُ إلى السببِ، كقوله: (بنَى الأميرُ المدينةَ) فإنّ َالأميرَ سببُ بناءِ المدينة، لا إنّه بناها بنفسِه، و نحو قول عنترة  [3]:
إنِّي لمِنْ مَعْشر أفْنَى أوائلَهُمْ -- قيلُ الكُماةِ ألا أَينَ المحامُونا
فقد نسبَ الإفناءَ إلى قول الشجعانِ، هل من مبارزٍ ؟، وليس ذلك القولُ بفاعلٍ له، ومؤثرٍ فيه، وإنما هو سببٌ فقطْ.

4- الإسنادُ إلى المصدرِ، كقول أبي فراس الحمداني [4]:
سَيَذْكُرُني قَوْمي إذا جَدّ جدّهُمْ -- وفي الليلة ِ الظلماءِ، يفتقدُ البدرُ  

فقد أسندَ الجدَّ إلى الجدِّ، أي الاجتهادِ، وهو ليسَ بفاعلِ له، بل فاعلُه الجادُّ – فأصله جدَّ الجادُّ جدًّا، أي اجتهدَ اجتهاداً، فحذفَ الفاعلَ الأصليَّ وهو الجادُّ، وأسندَ الفعلَ إلى الجدِّ.

5- إسنادُ ما بنيَ للفاعلِ إلى المفعولِ، نحو: سرَّني حديثُ الوامقِ، فقدِ استعملَ اسمَ الفاعل، وهو الوامقُ، أي (المُحِبُّ) بدلَ الموموقِ، أي المحبوبِ، فإنَّ المرادَ: سررتُ بمحادثةِ المحبوبِ.

6- إسنادُ ما بنيَ للمفعولِ إلى الفاعلِ، نحو قوله تعالى : (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا [الإسراء/45])، أي ساتراً، فقد جعلَ الحجابَ مستوراً، مع أنه هو الساترُ. وكما قال الحطيئةُ  يهجو  الزبرقانَ بنَ بدرٍ[5]:
دَع المَكارِمَ لا تَرحَل لبغْيَتِها ... واقعُدْ فإنك أَنْتَ الطّاعِمُ الكاسِي
 وهو يقصدُ المطعَم المكِسي.

- الثاني: المجازُ في النسبةِ غيرِ  الإسناديةِ، وأشهرُها النسبةُ الإضافيّةُ  نحو:
1- (جَرْيُ الأنهارِ) فإنَّ نسبةَ الجريِ إلى النهرِ مجازٌ باعتبار الإضافةِ إلى المكانِ.
2- (صومُ النهارِ) فإنَّ نسبةَ الصومِ إلى النهارِ مجازٌ باعتبارِ الإضافة إلى الزمانِ.
3- (غُرابُ البَينِ) فإنّهُ مجازٌ باعتبار الإضافة إلى السببِ.
4- (اجتهادُ الجِدّ) مجازٌ باعتبار الإضافةِ إلى المصدرِ.

- تنبيهانِ:
أ)- الفعلُ المبني للفاعلِ واسمِ الفاعل إذا أُسندا إلى المفعولِ فالعلاقةُ المفعوليةُ، والفعلُ المبنيُّ للمجهولِ واسمُ المفعولِ إذ أُسندا إلى الفاعلِ فالعلاقةُ الفاعليةُ، واسمُ المفعولِ المستعمَلِ في موضعِ اسم الفاعلِ مجازٌ، علاقتُه المفعوليةُ، واسمُ الفاعل المستعمل في موضع اسمِ المفعول ِمجازٌ، علاقتُه الفاعليةُ.

ب)- هذا المجازُ  مادةُ الشاعرِ المفلِّقِ، والكاتبِ البليغِ، وطريقٌ من طرقِ البيانِ لا يستغني عنها واحدٌ منهُما.

- من فوائدِ هذا المجازِ:
  إنَّ للمجازِ المرسل ،على أنواعه، وكذلك العقليِّ ،على أقسامه، فوائدَ كثيرةً:
1- الإيجاز، فإنَّ قوله: بنَى  الأميرُ المدينةَ  أوجزُ من ذكر البنائينَ والمهندسينَ ونحوهِما، ونحوه غيره.
2- سعةُ اللفظِ، فإنه لو لم يجزْ إلا  جرَى ماءُ النهرِ كان لكلِّ معنَى تركيباً واحداً، وهكذا بقيّةُ التراكيب.
3- إيرادُ المعنى في صورةٍ دقيقةٍ مقربةٍ إلى الذهنِ، إلى غير ذلك من الفوائدَ البلاغيةِ.


[1] - الإيضاح في علوم البلاغة - (ج 1 / ص 8-10) ومفتاح العلوم - (ج 1 / ص 172-175) وكتاب الكليات ـ لأبى البقاء الكفومى - (ج 1 / ص 1597) وجواهر البلاغة للهاشمي - (ج 1 / ص 13) وعلم البلاغة الشيرازي - (ج 1 / ص 5).

[2] رسائل الثعالبي - (ج 1 / ص 44) والكشكول - (ج 1 / ص 117) وحياة الحيوان الكبرى - (ج 1 / ص 167).
[3] - شرح ديوان الحماسة - (ج 1 / ص 29) والكامل في اللغة والادب - (ج 1 / ص 30) والحيوان - (ج 1 / ص 213).

[4] - تراجم شعراء موقع أدب - (ج 18 / ص 310) والبلاغة الواضحة بتحقيقي - (ج 1 / ص 2) وموسوعة النحو والإعراب - (ج 1 / ص 64).

[5] - فصل المقال في شرح كتاب الأمثال - (ج 1 / ص 247) ونفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب - (ج 2 / ص 498) وزهر الأكم في الأمثال و الحكم - (ج 1 / ص 335) والأمثال لابن سلام - (ج 1 / ص 30) ومختارات شعراء العرب - (ج 1 / ص 40) ولباب الآداب للثعالبي - (ج 1 / ص 41) ونهاية الأرب في فنون الأدب - (ج 1 / ص 270) وطبقات فحول الشعراء - (ج 1 / ص 15) وتاج العروس - (ج 1 / ص 6317).

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال