تعريف التسريع.. بِناء البيت على قافيتينِ يصح المعنى عند الوقوف على كل منهما

التَّشريعُ [1]:
- تعريفُه:
هو بِناءُ البيت ِعلى قافيتينِ، يصحُّ المعنَى عند الوقوفِ على كلٍّ منهما.

كقول الشاعر [2]:
يا خاطِبَ الدّنيا الدّنِيّةِ إنّها ... شرَكُ الرّدى وقَرارَةُ الأكدارِ
دارٌ متى ما أضْحكتْ في يومِها -- أبْكَتْ غداً بُعْداً لها منْ دارِ
وإذا أظَلّ سَحابُها لم ينتَقِعْ -- منْه صدًى لجَهامِهِ الغرّارِ
غاراتُها ما تنْقَضي وأسيرُها -- لا يُفتَدى بجلائِلِ الأخْطارِ
كمْ مُزْدَهًى بغُرورِها حتى بَدا -- متمَرّداً مُتجاوِزَ المِقْدارِ
قلَبَتْ لهُ ظهْرَ المِجَنّ وأولَغَتْ -- فيهِ المُدى ونزَتْ لأخْذِ الثّارِ
فارْبأ بعُمرِكَ أن يمُرّ مُضَيَّعاً -- فيها سُدًى من غيرِ ما استِظهارِ
واقطَعْ علائِقَ حُبّها وطِلابِها -- تلْقَ الهُدى ورَفاهَةَ الأسْرارِ
وارْقُبْ إذا ما سالَمتْ من كيدِها -- حرْبَ العَدى وتوثُّبَ الغَدّارِ
واعْلَمْ بأنّ خُطوبَها تفْجا ولوْ -- طالَ المدى ووَنَتْ سُرى الأقدارِ

 فتكونُ هذه الأبياتُ من بحرِ الكاملِ ،ويصحُّ أيضاً الوقوفُ على الرَّدَى وغدَا وصدَى، ويفتدى; وتكون إذاً منْ (مجزوءِ الكاملِ) وتقرأ هكذا:
يا خاطِبَ الدّنيا الدّنِيّةِ -- إنّهاشرَكُ الرّدى
دارٌ متى ما أضْحكتْ -- في يومِها  أبْكَتْ غداً
وإذا أظَلّ سَحابُها -- لم ينتَقِعْ  منْه صدًى
غاراتُها ما تنْقَضي -- وأسيرُها لا يُفتَدى
كمْ مُزْدَهًى بغُرورِها -- حتى بَدامتمَرّداً
قلَبَتْ لهُ ظهْرَ المِجَنّ -- وأولَغَتْ  فيهِ المُدى
فارْبأ بعُمرِكَ أن يمُرّ -- مُضَيَّعاً فيها سُدًى
واقطَعْ علائِقَ حُبّها -- وطِلابِهاتلْقَ الهُدى
وارْقُبْ إذا ما سالَمتْ -- من كيدِها حرْبَ العَدى
واعْلَمْ بأنّ خُطوبَها -- تفْجا ولوْ طالَ المدى

وكقول الشاعر [3]:
يا أيها الملِكُ الذي عمَّ الورى -- ما في الكِرام له نَظيرٌ يُنظرُ
لو كان مثلَك آخرٌ فى عصرِنا -- ما كان في الدنيا فقيرُ مُعسِرُ

إذ يمكنُ أن يقالَ  أيضاً في هذين البيتين:
يا أيها الملك ُالذي -- ما في الكرام له نظيرُ
لو كان مثلَك آخرٌ -- ما كان في الدنيا فقيرٌ

وكقول الشاعر كامل [4]:
وإذا الرياحُ مع العشيِّ تناوحتْ -- هدجَ الرئالِ، تكبهنَّ شمالا
ألفيتنا نفري العبيطَ لضيفِنا -- قبل القتالِ، ونقتلُ الأبطالا

فإنَّ هذا الشاعر لو اقتصر على الرئال، والقتال ِكان الشعرُ من الضرب المجزوءِ المرفَّل من الكامل، نحو:
وإذا الرياحُ مع العشيِّ -- تناوحتْ هدجَ الرئالِ
ألفيتنا نفري العبيطَ -- لضيفِنا قبل القتالِ

فإذا أتممتَ البيتينِ صارا من الضربِ التامِّ المقطوعِ منه، فقدرْ أنَّ لكلِّ بيتِ من هذين البيتينِ قافيتينِ على تساويِ القافيتينِ في الردف وتماثل الرويينِ وإن اختلف المجرِى فيهما.

[1] - نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب - (ج 1 / ص 44) وتحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر - (ج 1 / ص 114) والإيضاح في علوم البلاغة - (ج 1 / ص 125) وجواهر البلاغة للهاشمي - (ج 1 / ص 17) وعلم البلاغة الشيرازي - (ج 1 / ص 7).

[2] - تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر - (ج 1 / ص 114) والمثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - (ج 1 / ص 272) ومقامات الحريري - (ج 1 / ص 50)  والإيضاح في علوم البلاغة - (ج 1 / ص 125) ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص - (ج 1 / ص 351).

[3] - جواهر البلاغة للهاشمي - (ج 1 / ص 17).
[4] - محاضرات الأدباء - (ج 1 / ص 458).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال