قد يعلم الناس أني من خيارهم + في الدّين دينا وفي أحسابهم حسبا
لا يمنع الناس مني ما أردت ولا + أعطيهم ما أرادوا حسن ذا أدبا
الشاهد في البيت الثاني، وإنما أتيت بالبيت الأول، لنفهم البيت الثاني من السياق.
يقول: ما أحسن أن لا يمنع الناس مني ما أردت من مالهم، مع بذلي لهم ما يريدون مني من مال ومعونة، يقول ذلك منكرا على نفسه أن يعينه الناس ولا يعينهم، و «حسن» هنا للمدح والتعجب، وأراد هنا التعجب الإنكاري.
وقيل معناه يريد أنه يقهر الناس فيمنعهم ما يريدون منه ولا يستطيعون أن يمنعوه مما يريد منهم لعزته وسطوته.
وجعل هذا أدبا حسنا، والصواب في المعنى الأول، لأن البيت الأول يؤيده.
والشاهد «حسن ذا أدبا»، فلفظ «حسن» فيه شاهدان:
- الأول: أن أصله، «حسن» بفتح الأول وضم الثاني، وزن (فعل) سكنت عينه، وانتقلت حركتها (الضمة) إلى «فائه» وذلك جائز في كلّ فعل يجري مجرى نعم وبئس في المدح والذم، فقوله «حسن ذا»: حسن: فعل ماض.
و «ذا» فاعل. وأدبا: تمييز.
- والشاهد الثاني: قد يجري مجرى نعم وبئس في إنشاء المدح والذم، كل فعل ثلاثي مجرّد على وزن «فعل» المضموم العين، على شرط أن يكون صالحا لأن يبنى منه فعل التعجب، نحو «كرم الفتى زهير» و «لؤم الخائن فلان».
فإن لم يكن في الأصل على وزن «فعل» حوّلته إليه، لأن هذا الوزن يدل على الخصال والغرائز التي تستحق المدح أو الذم، فنقول في المدح من «كتب وفهم» «كتب الرجل خالد» و«فهم التلميذ زهير» وتقول في الذم، «كذب الرجل فلان». ومنه الفعل «ساء». و«حسن» الذي نحن بصدده.
ويكون فاعل هذه الأفعال كفاعل نعم وبئس:
اسما ظاهرا معرّفا بأل: نحو: عقل الفتى زهير.
أو مضافا إلى مقترن بها نحو «قرؤ غلام الرجل خالد».
وإما ضميرا مستترا مميزا بنكرة بعده، منصوبة على التمييز نحو: هدؤ رجلا علي.
ونعود إلى البيت: فالواو في قوله «ولا أعطيهم» واو المعية التي ينتصب الفعل بعدها بأن مضمرة.
فأعطيهم منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد واو المعية المسبوقة بنفي، وكان حقه أن يظهر الفتحة على الياء لخفتها، ولكنه أضمرها ضرورة، والبيتان للشاعر سهم بن حنظلة من المخضرمين.
[الخزانة/ 9/ 431].
التسميات
شرح شواهد شعرية