بين يأس الفناء وأمل البقاء: رحلة عبد الوهاب البياتي في متاهات الوجود والموت

صراع وجودي في قلب الإبداع:

تتجلى تجربة عبد الوهاب البياتي الشعرية في صراع أزلي بين الحياة والموت، يتجسد هذا الصراع في نسيج شعره بوضوح، ويشكل العمود الفقري لمعظم دواوينه. فالشاعر البياتي، وهو يعايش أزمات عصره وحروبها، لا ينفك يتساءل عن معنى الوجود، وعن جدوى الحياة في ظل الموت المحتم.

جدلية الأمل واليأس: منحنى متقلب:

تتميز أشعار البياتي بجدلية عميقة بين الأمل واليأس، تتأرجح بين الانتصار الساحق للحياة والهزيمة المؤلمة أمام الموت. ويمكن تقسيم هذه الجدلية إلى ثلاثة منحنيات:
  • منحنى الانتصار للحياة: في دواوينه المبكرة مثل "كلمات لاتموت"، "النار والكلمات"، و"سفر الفقر والثورة"، يغلب طابع التفاؤل والأمل، حيث يرى الشاعر في الثورة وسيلة لتحقيق التغيير وتحقيق العدالة الاجتماعية. الحياة هنا تنتصر على الموت، والأمل يشكل القوة الدافعة للإبداع.
  • منحنى التكافؤ: في ديوانه "الذي يأتي ولا يأتي"، يصل الصراع بين الحياة والموت إلى ذروته، حيث يتكافأ الطرفان. الشاعر هنا يعيش حالة من التردد والشك، فهو يرى الموت قريبًا، ولكنه يأمل في الحياة الأبدية.
  • منحنى انتصار الموت: في ديوانه الأخير "الموت في الحياة"، يغلب طابع اليأس والاستسلام، حيث يرى الشاعر الموت حاضرًا في كل مكان، والحياة مجرد وهْم زائل.

البحث عن المعنى: خطوط أربعة في رحلة الشاعر

يسعى البياتي في دواوينه إلى البحث عن معنى للحياة، ويستخدم لذلك أربعة خطوط رئيسية:
  • خط الحياة: يمثل الأمل والتفاؤل، والرغبة في العيش بكرامة وحريّة.
  • خط الموت: يمثل اليأس والخوف من الفناء، والوعي بضرورة الموت.
  • خط السؤال: يمثل البحث المستمر عن الحقيقة والمعنى، والتساؤل عن أسباب المعاناة.
  • خط الرجاء: يمثل الإيمان بوجود حياة أخرى بعد الموت، والأمل في الخلاص.
تتداخل هذه الخطوط الأربعة في شعر البياتي، وتشكل معًا نسيجًا معقدًا يعكس عمق تجربته الإنسانية.

الجدلية بين الأمل والشك:

تظل الجدلية بين الأمل والشك هي السمة الغالبة على شعر البياتي. فالشاعر، وهو يواجه صعوبات الحياة، يتأرجح بين اليأس والأمل، بين القنوط والتفاؤل. وهذا التناقض هو ما يجعل شعره حياً نابضاً، وقادراً على أن يتحدث إلى القلوب.

خاتمة:

يشكل شعر عبد الوهاب البياتي مرآة عاكسة لتجربة الإنسان المعاصر في مواجهة الموت والحياة. فهو يطرح أسئلة جوهرية حول الوجود والمعنى، ويعبر عن صراعاتنا الداخلية وأوجاعنا.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال